بقلم - سمير عطا الله
بعد الإقلاع بقليل أبلغَنا قبطان الطائرة أن أمامنا مطبات هوائية كثيرة وعلينا أن نُبقي الأحزمة مربوطة، وأن خدمة الطعام ملغاة. وبما أن تقديم الصحف للمسافرين أُلغي منذ «كوفيد - 19»، لم يبقَ لنا سوى مشاهدة الأفلام وسيلةً لتمضية الوقت والمساعدة في نسيان المطبات، إلا تلك التي لا تُنسى إلاّ بعد الهبوط.
المفاجأة المفرحة وسط ذلك القلق، كانت فيلم «الأفوكاتو»، وهو الاسم الذي يطلقه المصريون على «المحامي». التمثيل: عادل إمام ويسرا، والإخراج للهائل رأفت الميهي «سوبر هايل». صُوِّر الفيلم عام 1984، أي منذ أربعين عاماً، يوم كان الزعيم في عزّ زعامته على الشاشة وعلى المسرح... «وبس هُسّ اسكت بقى انت يا حيوان»!
عادل هو الأفوكاتو الفقير، ويسرا هي الزوجة البسيطة التي تعمل مدرّسةً للصغار قرب البيت، وتلقّن الدروس وهي تقشّر البصل. ولا علاقة لجمال يسرا بالموضوع. كوميديا يعني كوميديا. يعني نظارات طبية وسْع الحارة، وثوباً «فقايري»، وروح يا ابني نادي أبوك، أبوك يا روح أمك! والزعيم يدخل السجن، والمُخرج يعثر له على الشاويش الشهير بشاربيه المعقوفين من أيام أفلام الأسود والأبيض. الشاويش عطية برضه.
ويظل رأفت الميهي متفوقاً على الجميع. المَشاهد لوحة لوحة؛ الحي المصري البائس، والناس الغلابة، والروح المصرية الضاحكة أبداً. والزعيم: «اسكت يا حيوان»!
توقفت منذ سنين عن عادة مبهجة، وهي معايدة يسرا في المناسبات. حزنت لها كثيراً يوم تُوفيت والدتها التي كانت كل حياتها، شعرت بحزن عندما علمتُ بطلاقها من زوجها بعد رفقة طويلة. وتخيلت النجمة اللامعة وحيدة في عالم كان يهتف لها من بعيد عندما يراها.
«صعبت» يسرا على أصدقائها ومحبيها والمفتونين بشخصيتها الآسرة. ولم يعد سهلاً علينا أن نشاهد أو «نسمع» حزنها. أو أن نتجرأ على عزلتها، هي التي تخرج مصر خلفها إذا رأتها في الشارع.
مضيتُ أشاهد «الأفوكاتو» وأنا أشعر بعقدة ذنب. ولكن من خلف نظّارتيها الطبيتين المربعتين، بدت لي أيضاً ملامح تلك الشخصية القوية التي ترفض التراخي أمام أي نوع من الضغوط. فما دامت تملك الفن فإنها تملك كل شيء: الأب الذي عذّبها، والأم التي ملأت حياتها، والأبناء الذين لم تُرزق بهم.