بقلم: سمير عطا الله
يبدأ الصيف عند الفرنسيين في أول أغسطس (آب). تقفر باريس إلا من السياح، وتغلق نوافذ البيوت والمكاتب، معلنة أن القوم جميعاً في إجازة على الشواطئ وعلى الجبال. والإجازة في فرنسا إشهار. يجب أن يعرف الجميع بأنك مع الأولاد تلهون في مكان ما، ويجب أن يعرف رفاقهم أن الشمس قد حمرتهم على «الكوت دازور» وليس على البلكون. فالفرنسي يمضي حياته في السخرية من البورجوازيين، ويستخدم عبارة البورجوازية في احتقار. أما في قلبه فإن أجمل لقب يتمناه في الحياة هو «بورجوازي صغير». لأن البورجوازية حقيرة، لكن مكوناتها ممتعة: وظيفة دائمة، وسيارة وشقة في العاصمة وإجازة: أما البورجوازي الكبير فهو الذي يتمتع بإجازتين، الصيف والشتاء. الثلج والبحر. الخيل والليل.
ولا معنى لإجازة إذا لم تكن لها علامات: يراك الجيران متعثراً بحقائبك، ويرون جميع نوافذك مغلقة، والشمسية على سطح السيارة. ولا تنسَ كتب القراءات الصيفية والكلمات المتقاطعة، والادعاء بأنك في حاجة إلى القراءات «الخفيفة» لأنك مثقل بقراءات العام وتريد أن ترتاح.
لا أعرف عن شعب بقدر تقاليد الإجازة مثل الفرنسيين. تماماً كما ليس من شعب «يقدس» العمل مثل اليابانيين. ويتقن الفرنسيون الصيف إتقان شعوب القطب والجليد. فهو أقصر الفصول لأنه أجملها. وفيما تطلب الشعوب الصيف في بلدان غير بلدانها، فإن صيف الفرنسي في فرنسا، حيث تصدق الفصول وتكثر أشياء الجمال، ولا يكن الفرنسيون عن شتم البورجوازية وتمنيها معاً، وبسبب تقاليدها يَلحقُ بعض الضرر ببعض الزائرين. ومنه انضمام أصحاب أكشاك الصحف إلى فيالق المجازين. تقاليدهم وتقاليدنا: فقد اعتاد أحدنا أن ينتقي صحفه من الكشك، ويدخل من الباب الآخر إلى المقهى ليقرأها. طرأ تغيران، مؤقت ودائم. المؤقت هو إجازة أغسطس، أما الدائم، تباً لـ«بريكست» ومؤيديه. لقد أغلقت فرنسا في وجه الصحف المطبوعة في بريطانيا، وبينها خضراء الأمم. بل حتى «التايمز» غابت أيضاً، وهناك من يصر على استبدالها بـ«الديلي تلغراف». هناك صحف لست مستعداً لقراءتها حتى لو لم يعد هناك سواها، وهناك كتاب يقعون في هذه الفئة أيضاً أو أشد. كأن تقول «كورونا» على «كوفيد». حفظكم الله، وصيف جميل حيثما «تكونون».