بقلم - سمير عطا الله
في السبعينات ابتدع مستشار ألمانيا الغربية، فيلي برانت، تقليداً سياسياً نبيلاً، هو الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها بلاده في الحرب العالمية الثانية. ركع في فرصوفيا، واعتذر من البولونيين عن وحشيات شعبه، ثم أكمل الاعتذارات في بلدان أخرى عانت من الهمجية الألمانية.
وبعد ألمانيا اتبعت اليابان هذا التقليد، وحذت حذوها دول كثيرة. الأسبوع الماضي أمضاه بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، في الاعتذار من سكان كندا الأصليين من الإساءات التي تعرضوا لها على أيدي رجال الكنيسة الكاثوليكية. وعلى طريقته في التواضع ومحو الذات، ركع أمام زعيم قبيلة هندية وقبّل يده. كان رد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، مفاجئاً: الاعتذار ليس كافياً.
هل يجوز رفض اعتذار، فردي أو جماعي؟ طبعاً يجوز. للمرتكب أن يعتذر، لكن ليس للضحية أن يسامح. الظلم البشري لا يُمحى. يفجر الشعب الألماني حرباً عالمية، ثم يعتذرون بحجة أن فريقاً منهم هو المسؤول. هذا ليس صحيحاً أبداً. الشعب الألماني كله كان متحمساً في همجيته. وكان أدرى بذلك أرقى الألمان مثل المستشار أديناور، الذي رفض اعتذار بعض النازيين قائلاً من الأفضل أن يموتوا في عقابهم.
لا يكف البابا فرنسيس عن الاعتذار عن الوحشيات التي ارتكبها بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية، وعن تدمير حياة مئات الآلاف من الناس عبر السنين. وهذه لا شك خطوة كبرى، لكن الاعتذار هنا ليس مرتبطاً أبداً بشرط الغفران. هناك فئة مجرمة في البشر، عقابها بألا يُغفر لها، بل في أن تظل في حالة إدانة إلى الأبد، تماماً مثلما هو عذاب ضحاياها دائم. هناك جرائم أكبر من الغفران والسماح. ليست مسألة «رمزية» الاعتداء على الأطفال. هذه جرائم لا يمحوها مرور الزمن، ويكون الجرم مضاعفاً عندما يكون المرتكب هو المكلف صيانة الطفولة وحراسة براءتها.
الاعتذار تقليد سام وجميل. الأفضل منه الخُلق وعدم الارتكاب وعدم تدمير حياة البشر. لا أحد فوق العقاب. وأحياناً يكون أهم أنواع العقاب هو برفض تخفيفه. يجب تخفيف الأذى، وليس العقاب.