بقلم - سمير عطا الله
في الأيام الماضية جرى نقاش على هذه الصفحات بين الأستاذ ممدوح المهيني، وبيني، حول أشهر سياسي أميركي في القرن الماضي والممتد معه إلى المائة حول: الدكتور هنري كيسنجر. أولاً، في باب النقاش، مارس كل منا حقه بكل حرية. وأبدى كل منا رأيه: أنا، بانفعال عاطفي سقيم وقديم، والزميل العزيز بما أؤتي من علم وثقافة وغيرة على أستاذ من هارفارد، ومؤرخ ووزير خارجية أميركا، مقرر أمنها القوي في الحرب الباردة، وحرب الفيتنام، وحرب أكتوبر (تشرين الأول)، وحرب لبنان، وسواها، إضافة إلى سلام أميركا التاريخي مع صين ماوتسي تونغ.
إذ أعدد بعض هذه الأهميات، إنما أقر بأنني تناولت الأمر في خفة غير جائزة، ولو كان أحد أسبابها حجم الزاوية غير المقرر للنقاشات الطويلة. غير أنني أرغب في التعليق على أمرين: الأول، يشير إليّ الزميل العزيز بـ«الأستاذ القدير»، وهذه مرتبة تعطى عادة للممثلين وليس للصحافيين، مثل عبد الوارث عسر وتوفيق الدقن ومحمود المليجي. شكراً على أي حال.
الأمر الثاني يضعني أخي ممدوح في صف الذين «يروجون» لصورة كيسنجر كرجل شر وحرب. نقطة نظام! لم يحدث في حياتي المهنية أنني «روجت» لأحد أو لشيء. فالعبارة تتضمن مجانبة الموضوع أو الصدق. وأنا قد أخطأت مراراً كثيرة لكنني لم أكذب مرة واحدة. وفي مسألة «الترويج» حكاية لا تنسى ولا تمحى. ففي إحدى المرات التي عملت فيها بـ«دار الصياد» كان بسام فريحة نجل مؤسسها الكبير، قد أصبح مديراً للإدارة، وحمل معه أفكاراً ثورية جديدة في الاستفادة من الوقت ومن كفاءات المحررين والعمال والموظفين والمراسلين، بعكس والده الذي بسط في الدار قانون الكرم والسماح وتفهم الناس. ويبدو أن العين الإدارية الثورية للسيد المدير العام، لاحظت أنني مقصر في الإنتاج. ففكر في طريقة لتصحيح الوضع، فاستدعاني يكلفني كتابة تحقيق صحافي عن شركة عصير «بون جوس»، وهو محلول شعبي يعبأ في علب كرتون بدل الزجاجة لكي يبقى سعره جذاباً. وبسبب ذلك، انتشر كثيراً في أوروبا الشرقية. وشرح لي المدير العام أهمية الشركة وتطور صناعة العصير، وأعطاني عنوان الشركة في الشويفات، وحملني سلاماً (حاراً) إلى صاحبها، نَصه: «قوللو بيسلم عليك الأستاذ بسام».
من حيث الثورية الإدارية كانت فكرة الكتابة عن «بون جوس» ومحلولها السريع مثل محلول «برسيل»، ممتازة ومجدية مادياً للإدارة، التي تذكرنا يومياً بأنها تدفع رواتبنا. من حيث احترام النفس، كان الأفضل الانتساب إلى سعيد فريحة مع العبقرية والفرح والعلاقة الإنسانية.
لذلك، خرجت يومها من مكتب المدير العام ولم أعد. وصارت عندي عقدة نفسية من الترويج والعصير المعبأ في كرتون. كلما رأيت واحدة أُصاب بطفح واحمرار جلدي وبحة في الحنجرة.