بقلم: سمير عطا الله
تستخدم الصحافة العالمية تعابير مجازية مُبالغاً فيها في توصيف الأحداث والحالات ذات الأهمية الخاصة. ولا يكون ذلك من قبل الإهانة، بقدر ما هو من قبيل التشديد. ومنذ أن بدأ الحديث عن جولة جو بايدن في المنطقة بدأ التنافس في استخدام مثل هذه الاستعارات. وبعد قول «هآرتس» إن بايدن آتٍ إلى السعودية «لتقبيل الخاتم»، صدرت «الفيغارو»، الأربعاء، بمقال افتتاحي عنوانه «القوي على ركبتيه»، وقالت إنه قادم يتوسل إلى السعودية للمساهمة في خفض أسعار النفط، لكي يجعل ذلك العقوبات على روسيا أكثر فاعلية.
لكن «الفيغارو» نفسها تقول إن الرئيس الأميركي يعاني سلسلة هزائم لحقت بالولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسوريا.
استبق الروس الجولة قبل يومين، وتركوا للأميركيين الإعلان عن اتفاق عسكري بينهم وبين إيران. ويزيد ذلك في خطورة المحادثات والخيارات. والدبلوماسية السعودية لا تريد صديقاً مهزوماً، لكنها لا تريد أيضاً صديقاً متعالياً. هناك مفاهيم كثيرة للصداقة، أو للعلاقات الوديّة، تلتقي كلها في التوازن وفي الحرص المتبادل على المشاعر والمصالح.
لا يسرّ الأوروبيين كثيراً أن يروا رئيس أميركا على ركبتيه. ومن الواضح أنهم يتخذون موقفه من الروس في الحرب الأوكرانية، بل ربما أكثر حماساً منه. وبعد السقوط الذي ضرب اليورو، أصبحت الحرب الأوكرانية في كل بيت أوروبي. وأكثر ما سوف يركز بايدن عليه في جدة هو عنصر البترول في الحربين، العسكرية والسياسية، وأن الغرب قادم على شتاء قارس وطويل. وبقدر ما تريد السعودية المساهمة في العثور على حلول تسهل أمور العالم، كما فعلت دائماً، بقدر ما تريد العمل على تأمين سلامتها واستقرارها واستقرار شركائها وحلفائها وأصدقائها. ولذلك، هي تفضل كثيراً التعامل مع رئيس قوي وعلى قدميه لا على ركبتيه. واضح أن لها وللخليج وللمنطقة هواجس بعيدة المدى. وإذا كانت إيران قادرة على تصدير فائض المسيّرات التي لديها إلى دولة مثل روسيا، كيف لها ألا تعزم على مضاعفة سلاحها الاستراتيجي في مواجهة دولة ترسل أسراب المسيّرات في المطارات المدنية والنقاط الحيوية؟
ليست الخيارات كثيرة أمام مستر بايدن. لكنها ليست كثيرة أمام مضيفيه أيضاً. الأمن والاستقرار وحماية الشعوب لا تحتمل المناورة أو المراوغة أو الازدواجيات. الطريق الصحيح هو الطريق الصريح. والسياسة الدولية ليست أمنيات. كل شيء فيها قائم على القوى. أليس مذهلاً أن تقف دولة مثل أوكرانيا في وجه دولة مثل روسيا كل هذا الوقت؟ وماذا لو لم يقف الغرب إلى جانبها، كم يوماً كان يمكن أن تصمد؟ أليس غريباً أن تعترض إيران على تزويد السعودية بـ«أسلحة دقيقة» وهي ليس لديها ما تعرضه على شعبها وعلى العالم سوى عراضات الأسلحة. أما الأكثر غرابة فهو أن يستورد العملاق الروسي الأسلحة من أيٍّ كان.