بقلم:سمير عطا الله
أعداد وأنواع الضحايا والخسائر غير المباشرة في حروب الجوار أكثر وأعمّ من خسائر وضحايا الجبهات. إنها مثل الأذى الذي يلحق بالأطفال عندما يتردّى زواج الوالدين. منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، تزداد تفتتاً يوماً بعد آخر تلك الشراكة الأدبية النادرة بين التراثين. ألم يصل الأمر بالأوكرانيين أنهم هدموا تماثيل ألكسندر بوشكين؟ وماذا عن أنطوان تشيخوف؟
عندما دخلت روسيا أوكرانيا عام 2022، تعرضت منطقة سومي، قرب كييف، لقصف مكثف، الأمر الذي عرّض للخطر المنزل الذي قضى فيه أنطوان تشيخوف صيفين، وهو يعمل على مسرحيته «شيطان الخشب». وكان المنزل قد تحوّل إلى متحف عام 1960، واحتوى على كثير من القطع الأثرية التي لا يمكن تعويضها، بما في ذلك أدوات تشيخوف الطبية، ولوحة لتشيخوف رسمها شقيقه نيكولاي.
ولد تشيخوف على الجانب الآخر من الحدود مع أوكرانيا، وكانت جدته لأبيه أوكرانية، وكان يتحدث الأوكرانية عندما كان طفلاً، وكان أول إنجاز أدبي كبير هو القصة «السهوب» التي استمدها من رحلات طفولته عبر «السهوب» الأوكرانية الشاسعة لزيارة أجداده. والقصة مليئة بالسحر الريفي البكر، وأبهجت القصة القراء والنقاد في موسكو وسانت بطرسبرغ، الذين بدا أنهم منبهرون دائماً بحكايات هذا التراث الثقافي والأدبي الغني لأوكرانيا، الذي هو في الواقع إرث متعدد اللغات والأعراق.
ثم هناك نيكولاي غوغول، أحد الآباء المؤسسين للأدب الروسي، باستثناء أن غوغول كان في الواقع أوكرانياً تماماً. نشأ وترعرع في مقاطعة بولتافا وسط أوكرانيا، وهو متحدث أصلي للغة الأوكرانية. كتابه الأول تحت عنوان «أمسيات في مزرعة بالقرب من ديكانكا»، تدور أحداثه في منطقة «غريبة» في الريف الأوكراني. وحقق نجاحاً كبيراً في موسكو وسانت بطرسبرغ، حيث كانت الدوائر الأدبية الروسية متعطشة للحكايات الشعبية ذات الإعدادات الملونة. كتب غوغول باللغة الروسية في الوقت الذي قمعت فيه روسيا القيصرية اللغة الأوكرانية، وتم حظر تدريسها بمعظم المدارس.
وقائمة الكتاب العظماء الآخرين من أوكرانيا تطول. إن ترجمة كلمة «أوكرانيا» حرفياً تعني «المنطقة الحدودية»، وهذا يصف بدقة تاريخ هذه الأرض المضطربة التي مزقتها الحرب.