بقلم - السعد المنهالي
يفاجأ البعض من إعجابي بأعمال ينزعج منها كثيرون، لدرجة أنهم قد يصابون بسببها بالكآبة، لأنها تحتوي -على سبيل المثال- على تطرف في الشر أو الكره أو الحقد أو حتى الغباء؛ والحقيقة أن محاولاتي لإخفاء ذلك لم تنجح طويلاً، فقد تنفضح سريعاً بعد تعليقي على شخصيات جسدت تلك الصفات (المتطرفة) على صفحات أعمال مكتوبة أو مشاهدة، وأجد نفسي في مواجهة مع من يراها قُبحاً، فيما تكاد أصابعي تتلمس الجمال فيها؛ ولهذا قررت عبر هذه السطور أن أُصدر حالتي إليك عزيزي القارئ. ولتبسيط الفكرة، فلنبدأ فيما أعتقد أننا نتفق بشأنه، كإدراكنا الطبيعي للجمال في شكل بحيرة، أو صوت طائر أو طعم فاكهة؛ هو إدراك لما تراه أعيننا في تلك اللحظة فقط؛ غير أن المختلف في إدراكي لهذه الأمور وما أدعوك له، يكمن في توصلي لما هو قبل وبعد هذا الشكل الحاضر.
على سبيل المثال، شكل البحيرة، فإدراكي للجمال فيها علاقته تتخطى منظر البحيرة، وإنما بحركة الأرض لتكوينها، وتجعد الجبال لتشكيل محيطها، وحضور الماء عبر تدفق الينابيع أو سقوط المطر، وزحف الخضرة حولها، وانعكاس الشمس على صفحتها، وغيرها من التفاصيل التي كونت الشكل النهائي للبحيرة، كذلك بقدرة هذه البحيرة ذاتها على استلهام شاعر أو رسام في تجسيد مشاعره الخاصة في عمل قد يغزو العالم به، أو تحريك عواطف عاشق فيسعد بها امرأة حزينة، وغيرها الكثير من الأمور غير المتحققة لحظة مشاهدة البحيرة، ولكنها حقيقية وترتبط في جوهرها بإدراك الجمال في شكله الكلي.
إن التعايش مع تلك الأحاسيس بتعقيداتها السابقة واللاحقة تتخطى في روعتها الحالة الحاضرة؛ وهو ما ينطبق على أي شيء حولنا؛ كالتعامل مع مشهد يعده البعض قُبحاً، كبركان هائل ينشر حِمماً تزيل مُدناً، أو زلزال مدمر، وما ينتج عن ذلك من استنهاض حياة جديدة في الأرض والإنسان، وهي الفكرة التي تطبق كذلك على الشرور المحيطة بنا؛ فإدراكنا الجمالي لها، يمكن أن يتخطى حالتها الحاضرة، سواء قبل ذلك، في قراءة إرهاصاتها أو تداعياتها على النفس الإنسانية، والتفكر في قدرة الخالق على مفاجأة الإنسان بنفسه، وذلك الكم اللانهائي من التفاصيل الصغيرة الُمشكلة لتفاقم الشر في شكل الحقد والكره والجريمة، ومن ثم، ما بعد ذلك من تداعيات إنسانية على الصعيد المقابل للحالة الحاضرة، وانبهار بقدرة العقل الإنساني على التخطيط والكيد لارتكاب الإجرام، أو حتى مجرد قدرة النفس البشرية على احتمال نفسها، والاستمرار في البقاء بكل هذا الكم من السواد؛ ثم قدرة الإنسان المبدع على صياغة كل تلك التفاصيل، وتجسيدها في أعمال أدبية مكتوبة أو مرسومة، أو حتى بتجسيدها كما يفعل الممثلون!