بقلم - السعد المنهالي
عادةً ما يعتقد الإنسان بسبب كل التطور الذي وصلته البشرية في شتى أنواع المعارف والعلوم أنه امتلك الحقيقة، فقد مكنته العلوم من الوصول إلى دلائل وبراهين بوفرة أكثر من أي وقت مضى، وبما أن الحقيقة حسب ما يعتقد الكثيرون أنها ما تَمت البرهنة عليها، فإن الدلائل المتوافرة حول أي أمر، كافية لإعلانه «حقيقة»؛ وكلما زادت البراهين حوله تأكدت حقيقته، وليس هذا فحسب، فتلك الحقيقة الجلية بالبراهين المؤكدة تنفي ما دونها وترفض كل من لم يتوافق معها.. أليست جلية بجملة البراهين المثبتة؟ ولكن، إلى أي مدى تعد الدلائل والبراهين المتوافرة حقيقية!!
مكنتنا التقنية الحديثة منذ ما يزيد على العقد من فلترة ما يصلنا من الأخبار، لدرجة أن المرء منا لديه الحق في تصميم صحيفته الإلكترونية اليومية، حسب تفضيلاته، بأن يضع مثلاً الخبر الرئيسي من النوع الرياضي أو الفني مثلاً، في حين صفحة المنوعات تعرض أخبار الكوارث السياسية والاقتصادية بشكل مقتطفات سريعة، ولهذه الدرجة أصبح لنا الحق في اختيار ما يصلنا،وقد مارسنا هذا الحق دون أن ندرك أننا بذلك، إنما نعيد ترتيب حضور أمور العالم على هوانا، لا على ما هي عليه في واقع الأمر.
ولكون مفهومنا عن الحقيقة مرتبطاًً بالدلائل والبراهين، فإنك عندما ترى أخبار مشاهير التواصل الاجتماعي ومدخولاتهم -على سبيل المثال- تغلب على ما سواها من أخبار السياسة والاقتصاد والبيئة، فإنك تعتقد أنها أهم ما في الكوكب، في حين أن الأمر كله بسبب تفضيلاتك في متابعة هذا الموضوع دون غيره، وهذا تماماً ما تشتغل عليه خوارزميات المواقع الإلكترونية التي تزورها باستمرار، إنها تفرض عليك ما كنت قد تصفحته سابقاً وكررت البحث حوله، ثم تقوم برفع درجة أهميته، وتجعله في صدارة صفحتك لدرجة تقنعك فيها أنه أمر يشغل العالم كله، بينما هو كذلك فقط على صفحات من لهم نفس اهتمامك.
ولذلك فمستقبلاً، عندما تجد أحدهم وقد التزم بأمر، معتقداًً فيه كل الحقيقة، معارضاً للحقيقة التي تعرفها، توقف قليلاً واسأل نفسك، ما نوعية الأخبار التي يتعرض لها، وما هي الأخبار التي تتعرض لها أنت؟! وليس هذا وحسب، وإنما أيضاً اطرح سؤالاً على نفسك، حول مدى حقيقة تلك الأخبار التي تتعرض لها وحجمها الفعلي على أرض الواقع.