بقلم - السعد المنهالي
الامتنان لأني لم أتعطل كثيراً لأدرك ما يحدث، والوعي لأني التقطت الرسالة التي أرادها الله لي مبكراً.
لم يطل تشتتي طويلاً، فقد تجسد لي الأمر سريعاً عندما شاهدت عيون وملامح زملائي رؤساء تحرير الطبعات الدولية من مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، في أول اجتماع لنا عبر الفيديو في زمن الجائحة بعد أسبوعين من قرارات الإغلاق، التي اجتاحت العالم. هنالك أدركتُ مدى تشابهنا الكبير في جزعنا وألمنا، وفي شعورنا المشترك (بلا اتفاق مسبق) بأننا لا حيلة لنا أو إرادة إزاء ما سيكون عليه حال المستقبل الوشيك. كنا جميعاً نتحدث من منازلنا، على غير العادة، وبدت الوجوه حائرة مكدرة -لا سيما الرجال بلحاهم الكثة- وأصوات النساء البائسة، وقليلٌ منّا اكترث لخلفية شاشة حاسوبه على غير العادة. كانت أصوات بعض صغارهم هي الجانب المشرق الوحيد الباعث على الابتسام الخجل من حين لآخر.
على مرّ الشهور التالية -وعلى صعيد شخصي- بدا الأمر مختلفاً معي، فقد أدركت أننا وإن بدونا في ظاهرنا بأننا بلا حيلة، كان الأمر غير ذلك على الإطلاق، وهذا ما أطلق عليه مرحلة الوعي. لقد ساهمت الأوضاع بمجملها في تهيئة الظروف -لمن أراد- في استكشاف رسالة اللحظة، لماذا وكيف وما المغزى من كل هذا! كانت فرصة غير مسبوقة لإدراك أمور لم نكن لنقف لحظة للتفكر فيها، كانت فرصة جلية جداً للاتصال بالمحيط الطبيعي -غير المزيف- والاحتكاك به، وبالتالي إجراء مقاربات ومقارنات من منظور جديد، قد تستند على محصولنا الفكري السابق، ولكنه أيضاً نتاج زوايا رؤية جديدة لم نتطرق لها من قبل.
امتناني بلا حدود لتلك اللحظة «المزرية» في اجتماع رؤساء تحرير النسخ الدولية، التي أفرغت الكثير والكثير من الأشياء من محتواها السابق، فغدت غير مغرية على الإطلاق، لا تستحق الالتفات، فما بالك بالصراع لأجلها كما كان يحدث سابقاً! هذا الإفراغ سمح لطاقتي بالمرور إلى مكامن جديدة فيّ، فاتضحت الرؤية ناحية أهدافي التي خُلقت لها فعلاً، وليست الأدوار التي وجدتها أمامي أو حاول الآخرون إسباغها عليّ. في عام 2021 لن يكون الوضع أسهل لمن فوت فرصة سابقة، فعوامل التشتيت ستزداد تباطؤاً للاتصال بالمحيط، ولكنه ليس بمستحيل. اجعلها سنة الامتنان لك أيضاً.. واجعل العالم هذا العام أفضل بوعيك.