بقلم - السعد المنهالي
الحياء والستر والصبر والصفح وغيرها.. هي قيم كغيرها من التصورات الأخلاقية، التي ننشأ عليها بحكم منظومتنا التي وجدنا داخلها، والتي علمونا أن نعدها معايير لتفضيلاتنا السلوكية في المواقف التي نواجهها في حياتنا، وبالتالي علينا أن نختارها دون غيرها من البدائل المتاحة، ولهذه القيم دور مهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي، وهذا أمر لا جدال فيه، ولكن ما يجب أن نفتح حوله حواراً صريحاً، هو الجدوى الحقيقية «الأبدية» لهذه القيم.
ولتفسير ذلك فلنحاول التفكير بجدوى هذه القيم في مكان يشهد تصدعاً وانتهاكات، إذ كيف لنا أن نختار سلوكاً يتناسب مع الصمت والتستر والترقب والتسامح؟! وخصوصاً أن تداعيات ذلك لا تطال الفرد وحده، وإنما أفراد كثر، وبالتالي المجتمع على المدى البعيد.
كنت أتساءل باستمرار، لماذا يطلق على بعض المجتمعات «متقدمة» وعلى أخرى متأخرة؟ هل هذا فقط بسبب ترتيبها في قوائم التصنيف، أم لأسباب أخرى؟ والحقيقة أن أحد أهم الأسباب الأخرى التي اعتقدها جازمة، إصرار بعض المجتمعات على مجموعة من القيم التي تؤخر تقدمها، كتلك المتعلقة بالقيم التي ذكرتها أول مقالي -على سبيل المثال-، كونها معيقاً حقيقياً للتقدم، فكيف نتصور تقدماً لأشخاص يخجلون من التعبير عن احتياجاتهم الحقيقية، ويصبغون ذلك بقيمة الحياء، وآخرين يرون غيرهم ينتهك الحقوق، ثم يتجاهلون ذلك بحجة قيمة الستر، ويتحملون الألم المستمر بحجة قيمة الصبر، ثم يرفضون عقاب المسيء بحجة قيمة الصفح؟!
في الوقت الذي سنتمكن فيه -كأفراد- من البوح بحاجاتنا والتصريح بأوجاعنا وآلامنا، والسير وراء أمنياتنا، والتصدي بقوة لمن يعيقنا، وقتها سنستحق سمة التقدم، فالأمر لا علاقة له بأدوات التمدن والتحضر الظاهرة في القشور التي يراها الجميع، إنما في الطريقة التي نتعامل بها مع «القيم» في حياتنا، إننا بحاجة فعلاً إلى إعادة «برمجة» لها، لا عن جدواها، بقدر ما يهمني طريقة ووقت استخدامها، إذ لا يمكن اعتبار كل شيء مفيد في أي وقت وفي أي حالة!