بقلم - السعد المنهالي
هل يُمكن أن يُسخر العلم لأذى الإنسان وإذلاله؟
من أحداث أحد الأفلام العربية القديمة - والذي رغم بساطته، ورغم حداثة عمري في ذلك الوقت- تنبهت إلى قدرة الإنسان دوما، ومهما كانت الظروف على تطويع الواقع والآخرين الأقل منه ذكاء لخدمة مصالحه، غير متردد إطلاقاً في استغلالهم بكل الطرق والوسائل، إنه فيلم البداية للمبدع لينين الرملي.
تميزت كتاباته رغم غلبة الكوميديا عليها بتعرية النفس الإنسانية وإظهار شرها الفطري، الذي لا يستند لظروف قاهرة جبرته على اقترافه، كالفقر مثلاً أو الجوع أو الظلم المسبق، فالشخصية الشريرة في بعض أعماله، وخصوصاً في فيلم «البداية» هي شريرة بالفطرة، نهمة لا تشبع ولديها توجه لاستغلال الآخرين واستعبادهم، ولكن في مقابل ذلك أيضاً هناك مجموعة من السذج والجهلة الذين لديهم قابلية كذلك للخنوع، يحتاجون باستمرار لمن يسيرهم لكي يبقوا على قيد الحياة، ولكن هل ينطبق ذلك على العلماء ممن امتلكوا قدرات عقلية متقدمة وإمكانيات ذهنية متألقة؟
في الفيلم، نجت مجموعة من الركاب إثر تحطم طائرة بعد سقوطها في الصحراء، وخلال بحثهم عن ماء وطعام عثروا على واحة تمكن رجل أعمال كان بينهم من الاستحواذ عليها وإقناع الآخرين بأنه مالك الماء والنخيل وثمره، ومع الوقت سخرهم لخدمته وتحكم بحصص الآخرين من الطعام، مستخدماً ملكات البعض الجسدية وجهل البعض.. وللأسف قوة العلم؛ فقد كانت من ضمن الناجين عالمة كيمياء عضوية اكتشفت ثروات الواحة، واستطاعت استخلاص نبيذ من التمر، الذي مكن رجل الأعمال من السيطرة على البعض من خلاله.
لطالما كانت الهالة التي تحيط العلم والعاملين في مجاله ممتلئة بالتقدير والاحترام، لدرجة القدسية في أحيان كثيرة، فمن البديهي أن تتشكل لدينا قناعة بلزوم ارتباط العلم بقيم الخير والحب والعطاء، لا بعكسها، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن الطريقة المنهجية التي تعمل بها أدمغة العلماء من المفترض أنها في غاية الذكاء، مما يجعلها قادرة على تحقيق منافعها ومنافع غيرها، فما الداعي إذن إلى أذية الآخرين طالما كان من الممكن أن تحقق كل المصالح؟!
لا أجد مبرراً لذلك.. ولكنه -وللأسف- يحدث كثيراً.