كانوا وصـاروا

كانوا.. وصـاروا!

كانوا.. وصـاروا!

 صوت الإمارات -

كانوا وصـاروا

السعد المنهالي
بقلم - السعد المنهالي

استوقفتني طويلاً فكرة النكتة والتنكيت كأحد الأمور التي لم أفكر فيها مطلقاً كـ«موضوع» جاد، وذلك أثناء قراءتي لرواية «الهدنة»، لقد تمكن «واسكويولا» وهو أحد أصدقاء بطل الرواية من الحكي عن هذا الموضوع، بطريقة حساسة للغاية. إذ يجتمع بطل الرواية -الذي تدور قصته بعيداً تماماً عن موضوع النكات- بصديقه «واسكويولا» بعد مرور 30 عاماً على مرافقته له في الحي عندما كانا صغاراً ويافعين، يلتقي به على أمل استعادة تلك الأوقات الضاحكة التي كان يتألم فيها من شدة الضحك على طرافته وعلى طريقته الجادة جداً في حكي تلك النكات!
 ولكن كعادة «اللقاء الثاني» وخصوصاً بعد مرور زمن طويل، يأتي قاسياً جداً، ليس بمعنى القسوة المؤلمة من الموقف، وإنما قسوة مفاجأة الفرق بين ما كُنا نطمح وبين ما يتحقق في الواقع. جاء «واسكويولا» ثقيلاً جداً، على كل الأصعدة. كان ثقيلاً في الوزن وثقيلاً في الحضور، وثقيلاً في النوادر التي يحكيها، والتي كان يضحك عليها بثقل «وحده»! ففي رواية الأوروجواياني «ماريو بنديتي» التي ترجمها بجمال بالغ صالح علماني، يفرد بطل الرواية «مارتين» صفحة كاملة من مذكراته اليومية ليحكي تحليل «واسكويولا» عن تحوله خلال العقود الثلاثة الماضية من شخص طريف جداً إلى آخر سمج ثقيل الظل! وكيف أن جعبته فرغت بعد أن كان مبتكراً لنكات أصيلة، ومن ثم تحوله إلى مكرر لها، وبعد فترة أصبح يضيف القليل لتلك النكات التي توقِف من حوله عن الضحك عليها، ثم أصبح هو الوحيد الذي يضحك عليها في محاولة يائسة منه لإقناع مستمعيه بأنها مضحكة، مستجلباً شفقة من حوله لمشاركته!
 تناول «مارتين» بطل الرواية -الأرمل المقبل على عامه الخمسين- حالة «واسكويولا» منفصلاً تماماً، عن حاله. لم يحاول مناقشة أنه هو نفسه كان في السابق مستعداً للضحك حتى السقوط على الأرض بمجرد أن يسمع صراخ «واسكويولا» فقط. هذا الانفصال الذي نحدثه بعمد عندما نقارن أحوال الآخرين، كيف كانوا وكيف صاروا، هو القسوة بعينها. القسوة التي نلقيها على الآخرين ونحمي أنفسنا منها بتعمّد، أو ربما بجهل حقيقة أننا لم نعد كما كنا سابقاً. لقد فقد «مارتين» تماماً الاستعداد السابق للسرور والبهجة، كما فقد «تماماً» صديقُه حسَّه الظريف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كانوا وصـاروا كانوا وصـاروا



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates