بقلم: بدر الدين الإدريسي
بالرنين المغناطيسي، أو حتى بالكشف السريري التقليدي، يتضح اليوم أن برشلونة فريق «عليل»، علته ليست في خلو موسمه المنتهي من أي لقب، ولا في سقوطه «الشنيع» أمام بايرن ميونيخ الألماني في دوري الأبطال، ولا في الدراما المضحكة المبكية التي نسج خيوطها الأسطورة ليونيل ميسي، وهو يشهر قرار الرحيل عن موطن الحب والإبداع، قبل أن يعود عنه لأسباب متداخلة لا حاجة للخوض في تفاصيلها.
«علة» برشلونة هي أنه يعيش منذ 5 مواسم خواءً تكتيكياً، يجعله مثل الحصان المغمض العينين، يدور في حلقة مفرغة، وإن كان الحصان يدير طاحونة تنتج قمحاً، فإن برشلونة يدور في دوامته وحول نفسه، ولا ينتج غير «الأوجاع».
أشرقت شمس رائعة ذات سنة على برشلونة، فجعلت منه الكوكب المضاء في سماء كرة القدم، صدر للعالم نيزكاً اقتدى به الجميع، ونسجوا على منواله، تلك الشمس غزل خيوطها الراحل يوهان كرويف، وهو يمرر لبيب جوارديولا وصفة تكتيكية يستطيع أن يحكم بها العالم، كرة قدم شمولية منقحة، تختلف عن تلك التي قادت هولندا بناديها أياكس وبطواحينها «البرتقالية»، لأن تنثر عطراً كروياً لا مثيل له في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كرة قدم تتأسس على الضغط العالي وعلى الاستحواذ الإيجابي، وعلى مهارة تقترب من السادية في خنق شريان المنافس إلى الحد الذي يصيبه بالموت الزؤام.
تلك الوصفة التكتيكية، مثل غيرها من الوصفات التي مرت على كرة القدم، لا شيء كان يضمن ديمومتها، ولا شيء يمنحها القدرة على أن تظل متمنعة ومتحصنة وبنظارة شباب لا يزول، لذلك بمعزل عن الأفراد الذين صدروا ألقها الفني للعالم، وأولهم «البرغوث» ليونيل ميسي، كان برشلونة بحاجة لما ينقله إلى كوكب آخر، لما يخرجه من جلباب وصفة تكتيكية شاخت، وبلغت بمنطق التضاد والتغيير أرذل العمر.
برحيل جوارديولا وبدرجة أقل لويس أنريكي، فشل برشلونة في إيجاد ربان فني يصوغ له جلباباً تكتيكياً بديلاً لـ «التيكي تاكا»، يهندس له مشروعاً فنياً بمقاسات حديثة، يكون محوره ومركزه بالطبع ميسي، ولا يفرط في هوية برشلونة المتجذرة في التاريخ، ولربما هذه واحدة من الجنح التي ارتكبها بارتوميو خلال ولايته، وقد تكون كافية لوحدها لأن تنزله من سدة الحكم..
وعندما يؤتى برونالد كومان إلى القيادة الفنية لبرشلونة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل جيء بمن انتمى مع جوارديولا لفريق الأحلام الذي شكله الراحل كرويف، وصاغ من خلاله إحدى الوصفات التكتيكية الجالبة للفرجة والسعادة، من أجل إحياء منظومة لعب لا أمل في عودة الحياة إليها؟ أم من أجل إبداع وصفة بديلة تنهض مجدداً بالفارس «الكتالوني»؟
أتمنى أن لا يكون كومان تكراراً لغيمات جافة لا تأتي بالمطر.