بقلم - بدر الدين الإدريسي
نازلاً من جرح أغار على الأعصاب، بعد الخروج المؤلم من دوري أبطال أفريقيا، فأحالها إلى حطام، جاء الرجاء البيضاوي المغربي إلى إياب نصف نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، لمواجهة الإسماعيلي المصري، وعلى كتفيه هم ثقيل تنوء بحمله الجبال.
كان على «النسور» أن يحلقوا عالياً في سماء مراكش، المدينة التي آوت الفريقين، بعد أن ساءت أرضية مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، عرين القطبين الرجاء والوداد، ليأتوا بالفوز الذي يعوض خسارتهم ذهاباً بمدينة الدراويش، وليسقطوا خفافيش اليأس التي جابت الدروب الخضراء، منذرة بهبوب إعصار على الفريق الأخضر لا يبقي ولا يذر، وليحققوا للمغاربة الأمل في مشاهدة طرف مغربي على الأقل، في نهائي نسخة تحمل اسم عاهلهم، ويجرى بالعاصمة الرباط.
ولأن شقائق النعمان تولد من العتمة كما يقولون، ولأن فريقاً بمرجعية الرجاء، لا يمكن أن ينكسر لمجرد هبة عاصفة عارضة، فإن ما نشاهده في فاصل إياب المواجهة المغربية المصرية في كأس محمد السادس، عبر بالفعل عن المكنونات الكروية، بل والأسطورية التي تعيش في وعاء الرجاء.
من شوط أول شبه مثالي للإسماعيلي المصري الذي اختار الخيار الصعب دفاعاً على الهدف الذي تقدم به ذهاباً، فسيج منطقته ونشر من حولها المتاريس الدفاعية، ونجح لأبعد الحدود في إخماد البراكين الرجاوية، إلى شوط ثانٍ نزل فيه الرجاء من كوكبه المضيء، حاملاً العديد من السراجات التكتيكية المنيرة، التي سينجح من خلالها في تبين الفجوات المتروكة في المنظومة الدفاعية لـ «الدراويش».
بذكاء جهازه الفني والإمكانات الكبيرة لسحرته، تمكن الرجاء من سحب الإسماعيلي إلى المعترك الذي لم يكن قد حدسه، ولا أعد العدة له، ومن ثلاث جمل تكتيكية مصاغة بحبر الإبداع وقوافي المتعة، تمكن «الصقور» من اصطياد الفريسة، بتسجيل ثلاثة أهداف منحت الرجاء بمنتهى الجدارة الحق في أن يكون طرفاً ثانياً في نهائي الحلم، بعد أن تعرفنا من قبل على الطرف الأول ممثلاً في الاتحاد المتأهل على حساب شقيقه الشباب السعودي.
وربما تكون للإسماعيلي همومه ومحنه التي جاء بها إلى المغرب، وحتى غياباته الوازنة في هذه الظرفية التي تزامنت مع إجراء لقاء الإياب، ولكن ما فعله الرجاء المنكسر قبل أسابيع أمام الزمالك في نصف نهائي النسخة الماضية لدوري الأبطال، والمنسحب كرهاً من دور مجموعات النسخة الحالية، بعد السقوط أمام تونجيث السنغالي المغمور، يدل على أن بالفرق الكبيرة جاذبية تحول دون الانحدار نحو القعر، وحصانة ضد الانهيار الحر، وطاقة سحرية تصنع الربيع، وتغزل الحرير، حتى لو كان الزمن زمن شتاء وزمهرير.
وكما أنه لا أمان مع كرة القدم، فلا يأس مع أندية مثل الرجاء.