بقلم: بدر الدين الإدريسي
تشدني إليها موقعة ملعب الاتحاد بمانشستر، بين المان سيتي وريال مدريد في إياب الدور ثمن النهائي لدوري الأبطال، ليس بعبق التاريخ المنبعث من فخامة الناديين، ولا بالإثارة المحجوزة سلفاً لمثل هذه النزالات، ولكن لوجود مدربين يشكلان اليوم مدرستين تتباريان في الخلق والإبداع، خلق الفرجة وإبداع ما يساعد منظومات اللعب، على أن تفتح لنا مناطق جديدة في جغرافيا المتعة والإبهار.. صحيح أن «سماوي» بيب جوارديولا كسب جولة حاسمة في السباق الجنوني لكسب مقعد بين الثمانية الحالمين بالتاج الأوروبي، وهو يفوز قبل أشهر بقلعة البرنابيو على ملوك زيدان بهدفين لهدف واحد، إلا أن ما علمتنا كرة القدم إياه من دروس في قهر المستحيل، عندما يتعلق الأمر بأندية مثل ريال مدريد، لا تموت إلا واقفة على ناصية الحلم، وما تلغيه جائحة كورونا من سبق استراتيجي باللعب خلف الأبواب المغلقة، يجعلنا نتلهف لمشاهدة حوار كروي، أكيد سيكون صورة عاكسة لاشتعال الخيال التكتيكي في فكر مدربين يستحوذان اليوم على الإعجاب، ويعرفان جيداً ماهية بعضهما بعضاً، ويدركان أن الطريق إلى الفوز وعر وشائك، ولربما ستحسمه الجزئيات الصغيرة التي لا يقدر العقل الإنساني على حدسها أو تخيلها.
قدم بيب جوارديولا أوراق اعتماده للحصول على رخصة العبقرية في مجال التدريب، وهو يضع على طاولة الاكتشاف منظومة «تيكي تاكا»، التي جعلته يحصد عشرات الألقاب مع برشلونة ومع البايرن واليوم مع المان سيتي، والرجل دائم التفكير والتأمل لإبداع ما يهب الحياة لفلسفة الاستحواذ من توظيفات تكتيكية بالغة التعقيد ومن أنماط لعب تقترب من السهل الممتنع، وقبالته حضر الأسطورة زين الدين زيدان إلى معترك التدريب متشبعاً بثقافات كروية مختلفة ومتشعبة، ليقدم نفسه كنموذج للمدرب الحداثي الذي يتلاعب بالشاكلات وبأساليب اللعب كما يتلاعب الساحر بكراته البلورية، وقد شاهدنا كيف أن زيدان وهو يعود للريال نجح في رسم قوس قزحي جديد في سماء كرة القدم، فقد تمكن بكتيبة من اللاعبين قيل إن صلاحيتهم انتهت، من تطويع دوري هو من أصعب الدوريات الأوروبية، وفي ذلك استحدث نمطاً جديداً زاوج بين فلسفة الاستحواذ والضغط المتقدم، وبين الأقفال الدفاعية التي يشتهر بها «الكاتناشيو» الإيطالي.
عندما يأتي جوارديولا وزيدان لمباراة العودة بملعب الاتحاد، سيأتيان وفي وعائهما العديد من الأخيلة والأسلحة والعيارات الناسفة، لا أحد منهما سيطمئن لما أفرزه لقاء الذهاب بمدريد، لأن المان سيتي لا يأمن لفارقه الصغير حتى لو كان وزنه ذهباً، ولأن ريال مدريد لا يخشى بموج الأسطورة الهادر في أعماقه، ركوب بحر حتى لو كان شديد الهيجان.. أعدوا ما استطعتم لهذه المباراة من رباطة جأش وقدرة على الصمود، لأن جوارديولا وزيدان سيرفعان سقف الإثارة إلى مستويات تصيب بالخبل!