بقلم: بدر الدين الإدريسي
ذات مرة جاء البوسني وحيد خاليلوزيتش، أسابيع فقط، بعد تنصيبه مشرفاً على العارضة الفنية لمنتخب المغرب، إلى ندوة صحفية أعقبت حالة الارتباك التي طبعت أداء ونتائج أسود الأطلس، وعندما قذف بسؤال التهميش الذي يطال اللاعبين المغاربة خريجي الدوري الوطني، رمى الصحفيين بجملة كانت مثل اللهب الذي يشعل النار في القشة.. فقد قال: «من يشاهد أشرف حكيمي في الحصص التدريبية يحسب الآخرين يلعبون شيئاً آخر غير كرة القدم».أقيمت للرجل على التو محاكمات أقرب إلى السلخانات منها إلى شيء آخر، فمن قال إن الرجل يهذي، ومن اتهمه بالتحقير والتبخيس، وللأمانة فالرجل تفوه بحقيقة موجعة، ولكنها موجودة، فوحيد اختار للتدليل على الفوارق الكبيرة التي تجعل أحياناً القياس شبه مستحيل بين لاعبين تكونوا بالأندية المغربية بأساليب متجاوزة، وبين لاعبين تخرجوا من أكاديميات ذات جودة عالية في التأطير والتأهيل، المثال الصحيح، لأن أشرف حكيمي لاعب خارق من كل زوايا التقييم.. خارق بما يفعله في سنه الصغيرة جداً، وخارق في اقتحام بلاط الكبار، وخارق في ممشاه الرائع الذي يجعله اليوم مع أرنولد المدافع الإنجليزي لنادي ليفربول من أجود وأحسن وأغلى أظهرة العالم.
طبعاً كلنا يذكر أننا شاهدنا قبل ثلاث سنوات، لاعباً مغربياً وعربياً يدخل قلعة ريال مدريد في سن 18 سنة مدفوعاً من المدرب زين الدين زيدان الذي تعرف عليه في «الكاستيا»، جميعنا شاهد دموع الفتى الصغير، وهو يتلحف العلم المغربي، ويقبض على كأس عصبة أبطال أوروبا، كثيرون جزموا بأن ريال مدريد لا يجامل أحداً، وأن حكيمي سيصبح عن قريب حديث العالم.
من ريال مدريد خرج الشاب أشرف حكيمي صيف سنة 2018 معاراً لنادي بروسيا دورتموند الألماني، وقيمته السوقية لا تزيد عن 5 ملايين أورو، وخلال سنتي الإعارة لدورتموند، فعل بنا حكيمي، ما فعله بنا قبله الصاروخ أوسيان بولت ،وهو يجعل من مسابقة 100 متر عرضاً مستمراً للدهشة والذهول، قفزت القيمة السوقية للفتى إلى 60 مليون أورو، ليصبح مع الفرعون الصغير «مو صلاح» ضمن أغلى 100 لاعب في العالم، أي أن قيمته تضاعفت عشر مرات، ونجح في أن يكون أكثر أظهرة العالم نجاعة في التهديف وصناعة الأسيست، وبات اليوم أسرع لاعب في تاريخ «البوندسليجا»، وتوج لسنتين متتاليتين أفضل لاعب ناشئ بأفريقيا، ويستحيل أن تخلو وسيلة إعلامية ترصد أخبار وجديد نجوم العالم، من حديث عن السباق الشرس الذي يخوضه كبار أوروبا من أجل ضمه إلى صفوفهم، فيما لو ارتأ ريال مدريد إعارته مجدداً، أو بيعه بشكل نهائي.
كان وحيد على حق في كل ما قاله، فحكيمي يلعب كرة القدم، وكثيرون غيره يلعبون شيئاً آخر، مع الاعتذار عن قساوة التشبيه.