بقلم - بدر الدين الإدريسي
ما سيطر على مشهدنا الكروي العربي لزمن طويل، وحال بينه وبين تسريع الخطى نحو احتراف كامل، تسيب مالي وتدبير أخرق، وهدم للقواعد الاقتصادية، فقد كان مثيراً للاستغراب أن لا تفطن أنديتنا في عمومها، إلى أنها غالت في العيش في جلباب الريع، وأوغلت في زمن الاستجداء، ورفع راية الأزمة، أملاً في وصول الأيادي البيضاء.
لم تضع الأندية حداً لهلوساتها المالية، ولا هي اتعظت من الشرخ المالي الذي أصاب بنيانها الاقتصادي، فاستنزفت مرات ومرات احتياطاتها، بسبب تجاهل كبير لقواعد الحوكمة المالية الضامنة لتحقق النزاهة المالية، ورغم أن الأندية تثقلها الديون، فإنها تدخل سوق الانتقالات وتتبضع بقيم مالية خيالية، وتفتح لنفسها طريقاً نحو جحيم الأزمة المالية، بسبب أن ما هو ملك خزائنها لا يكفي أبداً لسد الحاجات.
في أوروبا حيث تزدهر صناعة كرة القدم، وحيث عبر الاحتراف مستنقعات التماسيح، كان لزاماً وملامح الرفاه تظهر على الأندية، بفعل الصعود الصاروخي لعائدات النقل التلفزيوني، أن تكون هناك «فرملة» لما اتضح أنه تهور في إبرام الصفقات، بسبب الشراهة والعناد والمزايدة، وطبق على الأندية الأوروبية عام 2010 ما بات يعرف لاحقاً بقانون «فيربلاي المالي»، وما جاء إلا ليوقف استشراء أزمة المالية، حددتها الدراسات في خسائر تجاوزت عتبة الخمسة مليارات من الدولارات.
ولو أن قانون النزاهة المالية، كما اعتمده الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، سجلت عليه - كما هو حال كل قانون وضعي - الكثير من المؤاخذات، بخاصة في جانب إقرار العدالة بين الأندية، إلا أنه بالركون لتحاليل اقتصادية، سنجد أن هذا القانون المطبق منذ عشر سنوات تجاوز بكثير من الأندية نفق الأزمة، بل إنها سجلت في آخر ثلاث سنوات معدلات أرباح، بعد أن نجحت الآلية في تجفيف الديون وفي تحقيق نقطة التعادل بين العائدات والمصاريف.
هذه الريح التي تجلب في العادة غيثاً نافعاً وتنقذ الموازنات المالية من التصحر، هي التي تهب اليوم على كرة القدم العربية، وقد وجدت الاتحادات الوصية، أنه لا مناص من تطبيق قانون الكفاءة المالية على أنديتها، بأن رفعت الكثير من اللاءات أمام الأندية التي تخرق الميثاق المالي، ولا يوجد توازن في موازناتها المالية، بين ما يصرف وما يتم جلبه من عائدات، ومن أبرز هذه اللاءات، أن الأندية التي تظهر على موازناتها تفاوتات مالية سلبية، تمنع من دخول سوق الانتدابات وتجبر على الاكتفاء بما لديها من اللاعبين، كما أن تلك التي توجد لها الكثير من الملفات في غرف المنازعات تحرم من نسبتها في المنح المالية الجماعية.
الكفاءة المالية هي مدخل أساسي لترشيد النفقات وعقلنة التدبير ووقف الجنون الذي يضرب الأندية في مواسم الانتقالات.