بقلم - بدر الدين الإدريسي
إن كان من ذنب اقترفته جائحة «كورونا»، التي طال مقامها بين ظهرانينا، فهو بالتأكيد هذا الإفراغ الكامل للملاعب من روحها وعبقها، من صوت الجماهير الهادر، وما تلا ذلك من تفقير للأندية وضرب للموازنات المالية وتخريب لبيوت كانت تقتات من كرة القدم.
ولكن موازاة مع هذا الذنب المقترف، عرت جائحة «كورونا» عن حقيقة ظلت لزمن طويل متخفية ومتمنعة وراء الأسوار، حقيقة أن كرة القدم الرياضة الأعلى جماهيرية والأكثر شعبية ونفوذاً في المشهد الإنساني، تعاني احتباساً خطيراً، واهتراء في المبنى الاقتصادي وتصدعاً في خطاب العشق.
في حمأة الجائحة والناس حيارى في تقدير وتوقع الهزات الاقتصادية العنيفة التي تضرب كرة القدم على وجه الخصوص، خرج صوت المدرب الحكيم الإيطالي كارلو أنشيلوتي ليخبرنا أن ما بعد «كورونا»، زمن يجب أن تكون فيه كرة القدم قد تغيرت قلباً وقالباً، منها شكل التباري وفلسفته، ومنها الجهاز المناعي الذي أظهر خلال الجائحة عن محدودية كبيرة في صد الضربات.
كثيرون طبعاً نسجوا على منوال أنشيلوتي في الدعوة لبناء منظومة جديدة لكرة القدم، لا تحصن فقط النظام الاقتصادي فلا يكون شفافاً وهشاً، ولكنها تذهب إلى نسج علاقة جديدة بين الثالوث المقدس (اللاعب والنادي والمتفرج)، إلا أن ما فهمته من كلام فلورنتينو بيريز رئيس نادي ريال مدريد خلال الجمعية العمومية لشركة الفريق الأبيض، أن هناك تحركاً قوياً من الأندية الأوروبية الوازنة لخلق دوري أوروبي ممتاز، يكون لهذه الأندية حجاباً وستاراً اقتصادياً واقياً يحول دون حدوث زلزال مالي أفدح من الذي ضرب كرة القدم بحلول جائحة «كورونا».
يجزم بيريز كغيره ممن يتغلغلون في ثقافة «البيزنيس»، أن كرة القدم بحاجة إلى لقاح يكسب اللعبة الأكثر شعبية، قوالب اقتصادية مضادة لحالة العدوى التي أصابتها بفعل الجائحة، وبحاجة أيضاً إلى ما يخرجها من النمطية ومن الانغلاق؛ لذلك بدا وكأنه يتزعم جناحاً يرى في الدوري الأوروبي الممتاز المخرج الحقيقي لكرة القدم من كل التخبطات والاختناقات التي تشتكي منها، منذ دخولنا الألفية الثالثة.
ولو جاز الحديث عن هذا الاكتشاف الذي يراه البعض بدعة، كما لو كان المخلص من الرتابة والاحتباس الكرويين ومن الفرملة التي يمارسها النظام الحالي للطموحات الاقتصادية، فإنه بالقطع لن يكون ميسراً القبول به إذا ما كان سيكرس الانتقائية، وسيجر كرة القدم الموصوفة بالشعبية الجارفة إلى مستنقع التمييز الاقتصادي بين الأندية، الغنية منها تصنع لها كوكباً يرتفع بها إلى فضاءات اقتصادية أكثر رحابة والفقيرة منها تزداد نزولاً إلى بؤر الفقر.
لو كان هذا هو ما يقصده رئيس الريال بالدوري الأوروبي الممتاز، فإنه شروع في قتل كرة القدم.