بقلم - بدر الدين الإدريسي
شتاء الإمارات كما صيفها خير يتدفق، مطر ينهمر أملاً وتفاؤلاً، وخريفها كما ربيعها زهور فرح تينع في عيون الناس، حتى لو ضاقت بؤبؤ هذه العيون بما انتشر في الربوع من خوف وهلع من جائحة لا خطرت على البال، ومجمل فصولها المشدودة بوثاق المحبة، سعادة تغسل المهج من وجع الفيروس الخسيس.
بينما ألغت مؤسسات كرهاً تظاهراتها، وعقدت أخرى تناظراتها ومهرجاناتها بتقنية المناظرة المرئية، للبقاء على مسافة آمنة من الوباء، دعا مجلس دبي الرياضي قادة ونجوم كرة القدم العالمية للاستمتاع بشتاء دبي، فاجتمع في خيمة الإبداع أساطير ورجال قرار، شاهدوا بأم العين، كيف أن هذه الإمارات الحاملة للبشارات، حملت على أكتافها رجاء العالم لكسر شوكة الوباء، وكانت اللحظة المنفلتة من زمن الوجع إعلاناً عن انتصار كرة القدم على الجائحة..
اختار مجلس دبي الرياضي، وهو يصر على عقد مؤتمره السنوي واقعياً لا افتراضياً، لهذا التجمع الرائع في توقيت استثنائي، شعاراً أعتبره اختزالاً لما عشناه خلال عامنا الذي سينقضي اليوم «كرة القدم في القمة».. ودلالة هذه التسمية التي تليق على المسمى، أن كرة القدم وهي تجلس على قمة العشق والجماهيرية، أبداً لم تنكسر شوكتها، وأبداً لم تعلن خنوعها برغم قساوة وخساسة الوباء.
في زمن الجائحة، لم تفعل كرة القدم ما تفعله النعام، وهي تدفن رأسها في الرمال إلى أن تمر العاصفة، بل على العكس من ذلك تماماً، واجهت كرة القدم بصدر عارٍ المتفجرات الوبائية، قاومت انهيار السقف والهبوط الحاد للقيم والخسائر المالية المدوية، قادتها الجائحة إلى غرف الإنعاش، وربطت صدرها بالكثير من الأسلاك الممغنطة، ومشطت الطريق من كل تيارات الهواء، وبعثت في قصبات الرئتين هواء الخوف، وخرج علينا من يقول إن كرة القدم كما الرياضة كلها تعيش موتاً سريرياً، والحال أن لكرة القدم قوة لا يفرمها الوجع ولا الوباء، ولها جهاز مناعة يرسل جيشاً من الأجسام المضادة لمواجهة كل خطر داهم.
نعم كان عام 2020، عام جائحة أصابت البشرية بما ستذكره كتب التاريخ وسيقف عنده الرواة، ليرووا للناس ما فعله فيروس خسيس ومتسلل وهو يدخل البشرية مذعورة إلى الجحور، جائحة سلبت الحياة من الملاعب فأفرغتها من بهجتها وأوقفت كرة القدم عن الدوران لردح من الزمن، ولكنه كان أيضاً عام الانتصار على اليأس والخنوع، فكرة القدم تصدرت بحكم جماهيريتها قوة الرفض الأولى، وجميعنا يذكر كيف أننا تابعنا حدث انبعاث كرة القدم من رماد الخوف والانتظار، وجاء حدث استئناف الدوري الألماني شبيهاً بحدث نزول الإنسان على سطح القمر، ذات أحاسيس الرهبة والشعور بالفخر، ففي الحالتين معاً كان هناك انتصار للبشرية، مصداقاً لشعار مؤتمر دبي الرياضي «كرة القدم في القمة».