بقلم - بدر الدين الإدريسي
كانت الأيام الصعبة والمرهقة، تمضي بأحمد الملجاشي، وبنا وسط اشتعال «الجائحة»، أجساد تسقط هامدة في «ردهات رمادية»، وأخرى تتداعى منهكة، من فرط ما استنزفت قدراتها، حرب لا هوادة فيها مع وباء غير مرئي، وكرة القدم باسم الإنسانية التواقة للحياة، ترفع رايات التحدي في وجه الهزيمة، فلا خنوع ولا انصياع، ومن إسدال الستار على نسخة استثنائية من دوري أبطال أفريقيا كنا ندنو ونقترب، عندما هبت ريح من جبال الألب من سويسرا، تحديداً من زيوريخ لتضرب مثل الإعصار أحمد الملجاشي.
كان الرجل يرتب بعناية لنهائي الأبطال بين الكبيرين الأهلي والزمالك غداً، يدقق في المراسيم وفي منصة الشرف التي يعتليها مع كبار القوم، ليمنح اللقب الأخير لدوري الأبطال في نهاية عهدته الأولى، عندما اقتلعه من سدة الحكم والسيادة على كرة القدم الأفريقية، صك إدانة وحكم نافذ المفعول بالنزول من على قمة الكرة الأفريقية.
لم يكن أحمد الملجاشي الذي تخلص جسده بـ «الكاد» من وباء «كوفيد - 19»، ومن رجفة الخوف واشتعال الهلع، يتصور أن ما سيأتيه بعد ذلك جائحة أكبر، ستقتلعه من جذوره، ستوقفه عن أي نشاط رياضي لخمس سنوات، وستكرهه على الخروج صاغراً مجروح الكبرياء من السباق نحو رئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، هو من كان يطمع في عهدة ثانية، قال ذات يوم إنه سيسعى إليها بإلحاح من أصدقائه، لاستكمال ما كان قد بدأه من عمل في أوراش إصلاحية.
والحقيقة أن السنوات الأربع لأحمد الملجاشي، الذي أنهى ثلاثة عقود من حكم عيسى حياتو، كان قليلها ضوءاً خافتاً، وكان كثيرها ظلاماً وعتمة تجلب الغمة، فمن أين أمسكت بالكرة الأفريقية إلا أوجعتها، جسد منهك بحمى الفساد، من فرط ما تداعى عليه من أسقام مرتبطة بالتدبير والاستعمالات السيئة للحكامة، وبالفشل الذريع في محاربة جيوب الفساد التي بقيت جاثمة على الثوب الأفريقي مثل «لطخات العار».
لم يُعاقب أحمد الملجاشي شر عقاب على التدبير السيئ لملفات كرة القدم الأفريقية الثقيلة، ولا على ما أبداه من قصور فكري ورياضي في فهم خصوصيات المرحلة، وفي تقدير عوارض وحساسية المنصب، وفي التطابق مع المرحلة، كما أجمل ذلك التقرير الأسود الذي حملته السنغالية فاطمة سمورا أمين عام الاتحاد الدولي لكرة القدم لرئيسها جياني إنفانتينو، ولكنه عوقب لارتكابه حماقات أفدح من ذلك، من «خرق واجب الولاء وعرض وقبول هدايا أو مزايا أخرى، وإساءة استخدام المنصب، إلى اختلاس الأموال».
لأحمد المحاصر بين فضيحتين، جسد مخترق بسهام الفساد، ومسار رياضي محطم بوسوسة الشيطان، وللكرة الأفريقية نشيد حزين تغنيه في احتراق الأمل بالعثور على من يأخذها إلى مرتع الحلم، حيث لا تزييف ولا تحريف ولا نزف.