بقلم: مصطفى الآغا
كانوا يصنفون دولنا على أننا «عالم ثالث»، على اعتبار أن أوروبا هي الحضارة والقوة والاستعمار والتقنيات والاختراعات، ونحن مجرد عالم مستهلك لما ينتجونه «برأيهم»، ناسين أو متناسين أن العرب هم من اخترعوا علم الحساب والجبر والفلك وأن الأرقام التي يستخدمونها اسمها الأرقام العربية.
بالطبع التاريخ وحده لا يشفع لصاحبه، وهو ما ينطبق علينا وعلى غيرنا، وفي أزمة كورونا تكشف الكثير من الحقائق والوجوه، فما حدث من تعاطٍ من الحكومات الغربية في أوروبا وأميركا مع وباء وصل حد الجائحة، وبين تعامل حكوماتنا العربية، يوضح من هو الحضاري، ومن هو الحريص على شعبه، ومن هو الذي خرج إلى شعبه ليقول: استعدوا لفراق أحبتكم، وكل عائلة ستفقد عزيزاً، وحسب مستشاري حكومتهم العلميين والطبيين، يجب أن يصاب كل الشعب بـ «الكورونا»، حتى يتمتع بمناعة القطيع !!!!
قليل إن وضعت ألف إشارة تعجب وعلامة استفهام على تصريح بهذه الطريقة المرعبة، لمن يقود بلداً، لم تكن الشمس لتغيب عن أطرافه، بلد استعمر الصين والهند، وتحتفل الولايات المتحدة بالاستقلال عنه.
لم أتخيل أن بلداً بحجم بريطانيا، لا يجد فيه المواطنون حبة دواء أو محارم لـ«التواليت» أو بيضاً أو حليباً، أو حتى معقماً للأيدي، وهو الأساس في مكافحة كورونا.
شاهدنا رئيس وزراء إيطاليا يقول: لقد أسقط في يدنا؟، وشاهدنا فرنسا وغيرها من الدول العظمى تئن تحت وطأة كورونا، بينما استشرف قادة العرب المشكلة، وأعطوا شعوبهم الأمان النفسي والطبي، ولم أسمع بحالة واحدة، لفقدان الأغذية أو الأدوية في دولة خليجية، أو حتى غير خليجية.
وحتى أكون صادقاً مع نفسي وقلمي ومع الحقيقة، فإن جيراني الأوروبيين هم أقل المقيمين التزاماً بالقواعد الصحية والتباعد وعدم السباحة والاختلاط، وحتى إقامة الحفلات المنزلية لأعداد كبيرة من الناس، ما اضطرني لمنع ابنتي من التواصل مع بنات الجيران، فيما عاد ابني من لندن من الطائرة إلى غرفته مباشرة، ولا يزال فيها، حتى ينهي فترة حجره المنزلي الطوعي.
الحضارة ليست طيارات وسيارات واختراعات وقنابل نووية أبداً، بل هي فكر وممارسة والتزام وحرص الصالح العام، من دون إكراه أو إجبار.
نعم لدينا من يخالفون، ولدينا من لم يلتزموا، ولكن لدينا قيادات لم تسمح لوباء أن يتحول إلى كوارث، كما حدث عند المتحضرين.