حِوار إستباقي حول الحياد

حِوار إستباقي حول "الحياد"

حِوار إستباقي حول "الحياد"

 صوت الإمارات -

حِوار إستباقي حول الحياد

محمد عبيد
بقلم - محمد عبيد

إنطلاقاً من أن طرح "الحياد" كان نداءً صريحاً، وليس موجّهاً ضد أي جهة أو فئة كما قيل، أرجو اعتبار هذه المقاربة قراءة صريحة، وليست موجّهة ضدّ غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، أو أي جهة أو فئة أخرى مؤيّدة لهذا الطرح.

إستوقفني توقيت هذا الطرح لسببين أساسيين، الأول: بالرغم من حملات التشويه والترهيب التي مارسها بعض من تبقّى من قوى 8 آذار ضدّ إنتفاضة 17 تشرين الأول من العام الماضي، وفي المُقابل محاولات ما تبقّى من قوى 14 آذار ركوب موجة هذه الإنتفاضة، وتوجيهها ضدّ "حزب الله"، إلا أنّ الإنتفاضة الشعبية المطلبية المُحقّة، نجحت على الأقلّ في وضع الشؤون الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية والمواطنية على رأس الأولويّات والإهتمامات السياسية والإعلامية بالأخصّ، والأهمّ، أنّها أوجدت مُشتركاً وطنياً حقيقياً بين اللبنانيين، يقفز فوق إصطفافاتهم المعهودة، والممجوجة الجاهلية.

وقد نتج عن ذلك تغييرات معقولة في الخطاب السياسي والإعلامي لدى العديد من الأطراف العاملة في الشأن العام، وإن كان بعضها كاذباً وبهدف المُسايرة، إلا أنّ الإحراج والهروب من مواجهة الناس، حكم تصرّفات الكثير من القوى والمرجعيات السياسية والطائفية الحاكمة، كذلك أجبرها على البحث في الإصلاحات التي لطالما تهرّبت من مُقاربتها، بالرغم من الضغوط الدولية التي مورست عليها.

كان من المُفترض أن يبقى الهمّ المطلبي الشعبي المُحقّ أولوية لا يُجاريها شيء، خصوصاً وأنّ الطبقة الحاكمة، التقليدي منها والمُستجدّ، بدأت تتلمّس نهايتها، أو على الأقلّ فقدان ثقة الناس بها، بعدما كانوا قد تجرّأوا على مواجهتها وتسمية الفاسد والفاشل منها باسمه ومن دون مواربة. وإذا بطرح "الحياد" يُعيد الإهتمام السياسي والإعلامي الى تقديم سؤال كياني، من دون الإجابة عليه منذ عقود من السنين والصراعات، كما يقودنا الى البحث في ماهية هذا الكيان، ودوره، وموقعه خارج توصيف ما سُمّي وثيقة الوفاق الوطني التي تكرّست دستوراً، والتي كان لِزاماً على من تولّى تطبيقها من مجالس نيابية وحكومات، أن يرتقوا الى مستوى الإحتكام إليها، بدل تهشيم معناها وتشويه تطبيقها، والأنكى، التشاطر في الإجتهاد "غبّ الطلب" لمواد الدستور المُنبثق منها.

هو فعلاً أمر غريب، أن ينبري غبطة البطريرك، الكلّي الإحترام، في لحظة إكتمال وعي وطني، وفي واقع إقتصادي مالي ونقدي ومعيشي ميؤوس من إمكانية معالجته، في ظلّ تشبّث هذه الطبقة الحاكمة بامتيازاتها وحِصصها، ورفضها لأي إصلاح جذري ومُحاسبة فعلية، أن ينبري الى إشغال اللبنانيين بطرحٍ عقيم، يقع خارج إهتماماتهم وإحتياجاتهم وهواجسهم الحياتية والمعيشية الآنية والمستقبلية.

أما الثاني، فيتعلّق بفرضية براءة هذا الطرح، خصوصاً وأنّ لبنان مَرَّ منذ العام 2005، أي من لحظة إغتيال الرئيس المرحوم رفيق الحريري وما تبعها من إنقسام بين مكوّناته، بمحطّات هدّدت وحدته الداخلية وكان يُمكن أن تقوده الى التقسيم، أو على الأقلّ الى إحتلال عدوين خطيرين: إسرائيل والإرهاب التكفيري لبعضٍ من أراضيه. لذا، كان الأَولى أن تُشكّل بعض هذه المحطّات فرصة لأصحاب فكرة "الحياد" أن يطرحوه للنقاش والحوار بين اللبنانيين، خصوصاً وأنّ الطرف المُستهدف اليوم، أي "حزب الله" كان مُشاركاً على أكثر من جبهة في حروب إقليمية ودولية كبرى، الى جانب أنه كان يتصدّر الحرب على الإرهاب في سوريا وعلى أبواب لبنان.

بصراحة مُطلقة، كما طرحكم أيها الكلّي الإحترام، يحقّ لي ولأمثالي مِمّن نشأوا وتربّوا في مدرسة مؤسّس المقاومة الإمام السيد موسى الصدر أن يتساءلوا عن خلفيات التوقيت السياسي لهذا الطرح، خصوصاً وأنه يطال قوة وطنية أثبتت فعاليتها كما قدرتها في الدفاع عن لبنان، كلّ لبنان واللبنانيين كافة اللبنانيين.

لـ"حزب الله" قيادته وماكينته السياسية والإعلامية التي تؤهّله الدفاع عن نفسه، والتصدّي لأي محاولة لإستهدافه. لكن شأن المقاومة لا يتعلّق بالحزب حصراً، ولا بتضحياته وخياراته السياسية الداخلية والخارجية، إتّفقنا أم لم نتّفق معه حولها، إنما هي خيار لدى الكثير من اللبنانيين، مبني على قراءة واقعية للتوازنات السياسية الإقليمية والدولية التي تمنع إخراج لبنان من دائرة الإستهداف الإسرائيلي المُباشر، حتّى لو أراد أهله ذلك، لأنّ هذا الإخراج مشروط بجملة من التنازلات السيادية التي لم يتمكّن لبنان المهزوم من تحمّل تَبِعاتها في إتفاق 17 أيار العام 1983، فكيف به اليوم، وهو المُنتصر والقادر، على ردع أي إعتداء يُمكن أن يطاله؟

 محمد عبيد *
*مدير عام سابق لوزارة الاعلام اللبنانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حِوار إستباقي حول الحياد حِوار إستباقي حول الحياد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 صوت الإمارات - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:53 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 02:56 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل مطاعم العاصمة الأردنية "عمان"

GMT 15:37 2014 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحة "الريتو" تشهد إقبالًا شديدًا من النجمات العالميات

GMT 10:07 2012 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

"خدعنى الفيس بوك" مجموعة قصصية للكاتب أشرف فرج

GMT 15:15 2014 الجمعة ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة العيد ترجع بنا الذاكرة إلى سنوات الزمن الجميل

GMT 19:03 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

13.8 تريليون درهم تداولات «دبي للذهب والسلع» في 15 عاماً

GMT 14:48 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

كايلا موريس تستعرض جسدها بالبكيني في تينيريفي

GMT 20:45 2013 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

"سوني" تعرض أول فيديو تجريبي للعبة "DriveClub"

GMT 03:12 2015 السبت ,17 كانون الثاني / يناير

"كول أوف ديوتي" اللعبة الأكثر مبيعًا في 2014

GMT 16:14 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

هادي الجيار يجسد شخصية تاجر سلاح من مطروح في "الأب الروحي"

GMT 16:12 2015 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

"الأصفر" سيد الألوان في موضة 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates