عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية

عالمنا والديمقراطية... أي ديمقراطية؟!

عالمنا والديمقراطية... أي ديمقراطية؟!

 صوت الإمارات -

عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية

بقلم - إياد أبو شقرا

 

من أبلغ المقولات السياسية المعاصرة، التي حفظتها، كلمات الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل عن الديمقراطية، إذ قال: «أبلغ حجة ضد الديمقراطية محاورة لمدة لا تزيد عن 5 دقائق مع ناخبٍ عاديّ».

إذا كان أحد كبار قادة ما يوصَف بـ«العالم الحُر» والديمقراطيات الغربية لديه مثل هذه النظرة إلى المبدأ السياسي الذي سعت الديمقراطيات لترويجه - بل فرضه - عبر العالم، أليست ثمة أعذار للبعض منا في «العالم الثالث» المتهم بالتخلف... إذا قلّلوا من انبهارهم الساذج بمثاليات الديمقراطية كما نراها اليوم؟؟

وهنا يحضرني مثال آخر عن انتقاد نسب إلى صحافي أميركي لتجربة الاتحاد السوفياتي أمام أحد الساسة السوفيات إبان «الحرب الباردة». وفي حينه، ركّز ذلك الصحافي على مسألة انعدام الديمقراطية. وهنا أسوق بتصرّف (طبعاً) سير الحوار...

- الديمقراطية تعني الانتخابات والأحزاب، وهذا غير متاح عندكم في الاتحاد السوفياتي...

- «بلى، لدينا حزب، ولدينا انتخابات على مختلف المستويات الحزبية... من المجالس المحلية إلى البريزيديوم»...

- ولكن لا يوجد عندكم إلا حزب واحد. فأين الخيارات المتاحة أمام المواطن؟

- «هذا صحيح، لدينا حزب واحد، لكن الفارق بيننا وبينكم بسيط جداً، إذ ليس عندكم في أميركا سوى حزبين اثنين فقط... وبالتالي، فخياراتكم ليست أوسع بكثير من خياراتنا»!

قد تبدو هذه المحاورة عبثية بعض الشيء. ولعلها غير منطقية تماماً في الظروف العادية، لكننا إذا راجعنا شريطاً للأحداث التاريخية خلال القرن العشرين وما مضى من القرن الحالي لاكتشفنا التالي...

أولاً، الخيارات المُطلقة مُتاحة في الظروف العادية إبان فترات الدعة والتوق إلى التعايش، لكنها غالباً ما تكون عُرضة للمصادرة في الظروف الأخرى، سواء عندما تواجَه السلطة بتهديد خارجي أو تستشعر نذر خطر داخلي. فعلى سبيل المثال، لم تتردّد الديمقراطية الأميركية في احتجاز رعايا يابانيين أبرياء بعد هجوم بيرل هاربر مطلع عام 1941. ولم تجد غالبية مناصري الحزب الجمهوري في خريف 2020 ضيراً في رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها الرئيس السابق دونالد ترمب، مع أنها أجريت إبان حكمه، بل واصلت هذه الغالبية تأييده حتى بعدما حرّض على مهاجمة مبنى الكونغرس (معقل الديمقراطية الأميركية) يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

ثانياً، الأنظمة الديمقراطية (في الظروف العادية أيضاً) تتَّسع برحابة صدر إزاء «راديكالية» القوى الهامشية أو الشراذم العدمية أو الجماعات الفوضوية. غير أن ما تُعرف بأحزاب «مؤسسة السلطة» ترتبط واقعياً بمُسلّمات فكرية وتحكمها عادةً شبكات مصالح عليا هي غالباً أكبر من التنوّع المحرّك لآليات الخيار السياسي. وبالتالي، عندما تفرض هذه المصالح العليا ذاتها، تنعدم عملياً خيارات الاعتراض المؤثر. ففي بريطانيا، مثلاً، باتت تهمة «معاداة السامية» - وفق التعريف الإسرائيلي - سيفاً مسلّطاً على أي احتجاج على ما صار، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن يعدّه «عنفاً مفرطاً» في قطاع غزة. والحزبان البريطانيان الكبيران يميناً ويساراً، المحافظون والعمال، التقت «مصالحهما» على رفض اعتبار ما يحصل في قطاع غزة «حرب إبادة» رغم مقتل نحو 30 ألفاً، جلّهم من المدنيين، منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. بل اللافت أيضاً أن «هيئة الإذاعة البريطانية» ليست وحدها من تحرص خلال تغطياتها الميدانية على استخدام كلمات «ملطّفة» لتجهيل الفاعل مثل «معارك» بدلاً من «قصف»، و«موت» بدلاً من «قتل»، بل تبدو صحف إسرائيلية مثل «هاآرتس» أكثر موضوعية وجرأة في التغطية والتوصيف والتحليل من الصحف البريطانية الجادة.

ثالثاً، المجتمعات التي جرّبت ممارسة الديمقراطية في شكلها «الانتخابي» أخذت تنأى شيئاً فشيئاً عن روح الديمقراطية. إنها تنأى عن أسّس التعايش والتسامح الضامنة لاستمرار الخيار الحُر والمُحاسبة المسؤولة واستقلالية القضاء. ولذا نرى أن بعض المجتمعات التي مارست وتمارس «الشكل الانتخابي» للديمقراطية، إما تعيش أزمة استشراء سرطان الشعبوية العرقية والدينية والمذهبية كحال الهند والمجر وإيطاليا... حتى الولايات المتحدة، أو تلفّها «هستيريا» الرهان على أي خيار غير مجرّب هروباً من الواقع، كحال الأرجنتين اليوم... والبرازيل أيام جايير بولسونارو بالأمس.

رابعاً، مستقبل التعايش والتفاهم دولياً وعالمياً لا يبدو مهدداً بتشوه صورة الديمقراطية فقط كمبدأ وممارسة وقناعات، بل بخطرين كبيرين أيضاً، هما...

- «القنبلة الديمغرافية» مع كل تداعياتها القاتلة على أصعدة الهجرة واللجوء والتصحّر وشحّ الموارد.

- و«القنبلة التكنولوجية» المتمثلة بعصر «الذكاء الاصطناعي»... بعد «ثورة التواصل» و«تقنية المعلومات» وضمور دور الإنسان في عمليات التفاعل والتلاقح الحضاري.

نحن اليوم كبشر نتحوّل شيئاً فشيئاً في أفضل الحالات إلى مستهلكين ومتلقين، وفي أسوأها إلى دمًى صماء بكماء تُملَى عليها إرادات عليا فتعجز عن مقاومتها، بل لا تدرك ما إذا كانت لديها مصلحة في مقاومتها.

إننا الآن أسرى عالم قيل لنا إن بمقدورنا عبر إرادتنا الحرة أن نتحكم فيه، فإذا بنا نكتشف أننا بتنا فيه عاجزين عن انتخاب رئيس بلدة أو عمدة قرية... أو سماع خبر غير مُفبرك... أو قراءة معلومة غير مزيّفة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates