التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة

التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة!

التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة!

 صوت الإمارات -

التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة

بقلم: رضوان السيد

 

أطروحة «الثورة الدائمة» عشية الثورة البلشفية عام 1917-1918 أطلقها ليون تروتسكي زميل لينين، وقد اختلف فيما بعد مع ستالين وذهب إلى المنفى حيث اغتيل بالمكسيك عام 1940.

ذكرت «الثورة الدائمة» توازياً مع الصعود الحالي لأُطروحة «الحرب الدائمة» التي يجري الترويج لها حالياً بعد الحرب بين إسرائيل و«حماس» وجبهة المساندة لـ «حماس» من جانب التنظيمات المقاتلة الموالية لإيران في لبنان والعراق واليمن. الانطباع العام عربياً ودولياً أنّ الحرب الدائرة كانت ولا تزال مأساةً يصعب تعقلها أو الصبر على آلامها حتى من جانبنا نحن المشاهدين، فكيف بسكان غزة المنكوبة بعشرات الآلاف من الضحايا والجرحى والمعوقين ومليون أو أكثر من القاطنين بالقطاع، والذين يُهجَّرون من جهةٍ إلى جهةٍ عشرات المرات خلال الأشهر العشرة. وإلى ذلك هناك مئة ألف لبناني غادروا مساكنهم بجنوب لبنان، وحوالي الستمئة قتيل، وتدمير حوالي الثلاثة آلاف مسكن.

ومن الطبيعي بعد هذه الحرب الوحشية أن يكون هناك إجماع عربي ودولي على ضرورة وقف الحرب لصون الأرواح، ومعالجة المصابين وإدخال الغذاء والدواء إلى القطاع. ويأمل الطموحون ومحبو السلام أن يكون وقف النار أيضاً فرصة للتفكير بالمستقبل لكي لا تتجدد الحرب إلى ما لا نهاية. وهذا يقتضي السير باتجاه المفاوضات المستأنفة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بما تفيده القرارات الدولية، ومشروع السلام العربي الصادر باقتراحٍ من المملكة العربية السعودية في مؤتمر القمة ببيروت عام 2002. بيد أنّ الراديكالية تجلب أو تستدعي الراديكالية، ففي مقابل سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي لاستمرار الحرب على «الجبهات السبع» كما قال، تتصاعد الدعوات من جانب الراديكاليات العربية والإسلامية للحرب الدائمة أيضاً.

وفي هذه المطالب القاطعة والمطلقة والتي يزداد اعتمادها من الطرفين على مسلَّمات دينية، لا يبقى مجالٌ للسلام، بل حروب دائمة حتى يبيد أحد الطرفين الطرف الآخر! ينظر الاستراتيجيون إلى الحرب نظرتين مختلفتين، تقول إحداهما إنّ الحرب هي نهاية للسياسة، بينما تقول النظرة الأخرى إنّ الحرب هي استمرارٌ للسياسة.

وكلتا النظرتين ليست مطلقة، فصحيح أنه عندما تعقّد التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين ازدادت الحروب نشوباً وبخاصةٍ بعد انفصال «حماس» بغزة عام 2007. لكنّ المفهوم كان دائماً أنّ الحروب هي ضغوط من أجل العودة للتفاوض والإصغاء لشروط السلام. وفي اتفاق أوسلو عام 1993 تنازل الإسرائيليون عن أيديولوجيا: من الفرات إلى النيل، وتنازل الفلسطينيون عن أطروحة: من النهر إلى البحر. لقد ظهر التصور القائل بإمكان الدولتين على أرض فلسطين. إنما لا شكّ أنّ الراديكاليات وبخاصةٍ الإسرائيلية ما عادت تقبل أخيراً بالحلّ الذي منطقُهُ تجنبُ الافراط والتفريط. وهذا الأفق المسدود نتيجة إنكار وجود الآخر الإنساني والسياسي، والديني(!)

يعني بالفعل الحرب الدائمة، والتي يصير معظم ضحاياها من النساء والأطفال والمدنيين بعامة. وهذه استراتيجية لا يقرها عاقل لأنها تعني حروب إبادة باسم الدين أو الأرض أو هما معاً وفيهما دمارٌ للمنطقة وعمرانها وسكانها. الفلسطينيون شعب مظلوم، وزاد الانقسام بين فتح وحماس العجز عن تحقيق إرادة وطنية جامعة. لقد تفاءلْنا عندما مضى الطرفان إلى بكين قبل أسابيع واتفقا على مسارٍ وطني عمادُهُ العمل معاً على إقامة الدولة الوطنية على حدود العام 1967.

كل يوم يزداد الأمر صعوبة، لكنّ الحرب الدائمة ليست حلاًّ. راديكاليات الأيديولوجيا يشهد الإسرائيليون آثارها اليوم وهي تخرجهم عن عالم العيش الإنساني، وهو الأمر الذي شهدناه من قبل باسم العروبة أو الإسلام، وليس من مصلحة الفلسطينيين أو المنطقة تكرار هوامات الأيديولوجيا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة التطرف وأيديولوجيات الحرب الدائمة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates