عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل

عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل

عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل

 صوت الإمارات -

عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل

بقلم -رضوان السيد

في العدد الأخير من مجلة «الشؤون الخارجية» الأميركية موضوعان لا غير: الصراع الأميركي مع الصين وروسيا، ومدى قدرة الديمقراطية على الاستمرار. وبالطبع وعلى الطريقة الأميركية في البحوث والدراسات الاستراتيجية تبقى النهايات أو المصائر مفتوحة إنْ لجهة الحسم في مصائر الصراع على النظام الدولي والعالم الأميركي، أو لجهة الحسم في مصائر الأنظمة الديمقراطية!

كان الاتحاد السوفياتي بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. وقد حصل على حصة رئيسية في تقاسم العالم. أما النظام الدولي الذي ما يزال موجوداً في نصوصه ومؤسساته فقد أنشأته الولايات المتحدة وقادت إليه حلفاءها وخصومها. وأهم من المؤسسات في النظام (نظام السلام الدائم أخذاً من تعبيرٍ للفيلسوف الألماني كانط) كانت الأفكار والقيم: استدامة السلام من طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان. وصحيح أنّ التفوق الاقتصادي والعسكري الأميركي في الحرب الباردة (1950 - 1990) كان أهمّ عوامل السيادة الأميركية على النظام الدولي؛ لكنّ الأميركيين وطوال العقود الأربعة حتى سقوط الاتحاد السوفياتي ركّزوا في دعائياتهم على «التفوق الأخلاقي» في الحرب الباردة الثقافية، والمتمثل بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما في ميثاق الأمم المتحدة (1945)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948).
إنّ المهمّ الآن من وجهة النظر الأميركية الإقناع بأنّ تهدُّد سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي أو العالمي، لا يُهدّد الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي تقع أميركا على قمته فقط؛ بل ويُهدّد قيم وأنظمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنهما مقترنان! لقد تبلورا وسادا معاً، وإذا تهدد أحدهما فسيكون الآخر بالتأكيد مهدَّداً!
ويستطيع الأميركيون أن يعدّدوا تحديات روسيا والصين للقانون الدولي، وللسلام العالمي، لأنهما نظامان غير ديمقراطيين. كما يستطيعون أن يشيروا إلى انهيار أنظمة الديمقراطية الهشة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وحلول أنظمة أو رئاسيات أخرى محلَّها مدعومة من روسيا أو من الصين.
إنّ هذه الحجج لا تلقى اعتراضاً من الدول الأوروبية المحشورة الآن بالوضع الأوكراني والمحتاجة بشدة للدعم الأميركي ليس في الحرب فقط؛ بل وفي مسائل الطاقة أيضاً. لكنّ الاعتراض على الحجج وعلى الاقتران يأتي من جهتين: الجهة الروسية - الصينية التي تخوض صراعاً مباشراً ضد الهيمنة الأميركية على النظام الدولي كما يقولون، والجهة الأخرى أو الجهات هي الدول الوسطى الصاعدة والتي ضاقت ذرعاً أيضاً بالسطوة الأميركية التي ما عادت لها فائدة، وتحدّ من قدرات التطور والتطوير، علماً بأنّ معظم تلك الدول كانت تُعدُّ بين حلفاء الولايات المتحدة مثل الهند وتركيا والدول العربية في الخليج ومصر، ودول في أوروبا وأميركا اللاتينية ما كانت من حلفاء الولايات المتحدة، لكنها ما كانت تنتمي أيضاً بوضوح إلى المعسكر الآخر.
لا تستطيع دول الاعتراض الضمني على الهيمنة أن توافق على التصرفات الروسية في أوكرانيا وما حولها. لكنها لم تعترض عليها علناً، وتحاول التوسط لتخفيف ويلاتها أو إنهائها. ثم إنها لا تؤيد العقوبات الأميركية (والأوروبية) على روسيا والصين، وتشارك في مجموعات اقتصادية أو استراتيجية مع روسيا والصين. بيد أنّ قراراً مثل قرار «أوبك بلس» الأخير بخفض الإنتاج النفطي يصبُ في مصلحة تلك الدول وفي مصلحة روسيا وضد المصلحة الأميركية. وقد سارعت جهاتٌ في الولايات المتحدة للتلويح بقوانين تعاقب سياسات «أوبك بلس».
حتى الآن تبدو التباينات الأميركية مع الهند والدول العربية اقتصادية. لكنها مع دولٍ أُخرى سياسية واستراتيجية أيضاً. وهناك سلسلة طويلة من المؤسسات والإجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة ويصعب الخروج منها وعليها من دون بدائل. ولننظر في أزمة عام 2008 - 2009. والأزمة الحالية في الطاقة لندرك أنّ السيطرة الأميركية لها سلبياتها أيضاً. ويشير مراقبون عديدون إلى أنه لا ينبغي المبالغة في درجات الصراع حتى بين أميركا والصين وروسيا، علاوة على التجاذبات مع الهند والدول العربية. فقد ينتهي الأمر بتنازلات متبادلة بحيث ينخفض الصراع أو درجته إلى تنافُس كما كان عليه الأمر في السابق. بيد أنّ أهمَّ وجوه ضعف حجج المعارضين للسيطرة الأميركية، أنهم لا يعرضون بدائل متماسكة وللجهات الاقتصادية والمالية والاستراتيجية. ثم إنّ وجهة النظر الروسية لجهة مصارعة الهيمنة الأميركية بالهجوم على أوكرانيا وغيرها والتحجج بتعديد الأقطاب وبالقانون الدولي ليست لها صدقية. وكذلك إذا لجأت الصين للعنف في ضمّ تايوان. فهناك أزمة في استراتيجيات الهيمنة الأميركية أكبر من أزمة فيتنام في الستينات والسبعينات. لكنّ المعارضين الكبار والأوساط يبدون في صورة «متمردين» وليس أصحاب مشروعٍ آخر لتجديد التعايُش، واستعادة السلام الدائم، إلا إذا اعتبرنا المشروع الصيني في الحزام والطريق (2013) كذلك.
كنت دائماً وعندما يكثر الحديث عن «عالم ما بعد أميركا» أردُّ بأنّ ذلك غير معقول، وليس لافتقاد البدائل فقط؛ بل لأنّ الولايات المتحدة تسيطر أيضاً على «نظام الحياة» في العالم. لكنني صرتُ أرى أنّ نظام الحياة هذا صار شائعاً ومِلكاً لكل البشر، وما عادت الولايات المتحدة تسيطر عليه وتوزعه أو تنشره كما تشاء، رغم بعض الاستثناءات.
لكن لنصل إلى الملفّ الآخر الذي تزعم الولايات المتحدة السيطرة عليه أو حمايته: ملف الديمقراطية! وجدالات الديمقراطية ومحاسنها وسلبياتها عريقة ولا تحتمل المزيد من النقاش. بيد أنّ ما يتهدد العالم اليوم ليس تضاؤل الديمقراطية فقط؛ بل ما هو أفظع عولمة الحروب، وعولمة الفقر والجوع، وعولمة الأوبئة والتلوث البيئي والمناخي. وقد شهدنا في ملف مواجهة وباء «كورونا» كيف استأثرت البلدان الغنية بالدواء. وشهدنا أيضاً كيف عجز «التقدم» الصيني الكبير عن إنتاج دواءٍ للشعب الصيني نفسه (!).
وهكذا وفيما وراء أميركا وخصومها أو معارضي سياساتها الاقتصادية والمالية والاستراتيجية، هناك حاجة ملحة إلى التعاون الدولي في كل المجالات، ومن دون سيد ومسود بقدر الإمكان. لكنْ في أجواء وبيئات «عولمة الحروب» كيف يحصل التعاون؟!
نحن العرب بين الأشدّ تضرراً من «عولمة الحرب» فلدينا أربع أو خمس دول عربية تتغلغل فيها نزاعات وتدخلات لا تنتهي. ولذلك ففي الوقت الذي يقول الزعماء العرب للأميركيين: نقبل كذا ولا نقبل كذا، ينصرفون للوساطة في كل النزاعات للتخفيف من أهوال الحروب، وليس في النزاع الأوكراني فقط. لقد تدخل السعوديون في تبادل الأسرى، والآن يتدخل رئيس دولة الإمارات مع الرئيس بوتين في محاولة لاستعادة السلام.
عالم ما بعد أميركا لم يبزغ بعد. لكنّ العالم الأميركي ليس بخيرٍ على الإطلاق، من دون أن يعني ذلك أنّ خصوم أميركا يمتلكون بدائل جاهزة، ولن تتبلور البدائل أو التعديلات في النظام إلا بظهور النتائج الأولى للصراع أو الصراعات!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل عالم ما بعد أميركا وصراعات البدائل



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 10:24 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 صوت الإمارات - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 02:29 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 06:33 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا

GMT 10:44 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

جيني إسبر تُعلق على عدم تواصلها مع نسرين طافش

GMT 16:04 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

غريفيث يُحذِّر من عواقب تفشي "كورونا" في اليمن

GMT 15:38 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مميزات سيارات "مازدا 3"

GMT 16:21 2013 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اجتماع حول مشكلة الوحدات السكنية في مدينة الابيار الليبية

GMT 14:14 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"مستورة" رواية فلاحة مصرية عن دار "دوّن"

GMT 01:15 2016 الثلاثاء ,08 آذار/ مارس

أروع النشاطات الممتعة في أبو ظبي

GMT 13:29 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

الحقائب البراقة" عنوان أناقتك في موسم الأعياد"

GMT 14:13 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشيخ طحنون بن محمد يعزّي في وفاة حمد الظاهري

GMT 12:49 2013 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بركات "ملك الحركات" قريبًا فى برنامج إذاعيٍّ على تردُّد "9090"

GMT 01:26 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

البنك الدولي يعلن عن خطة عمل مناخية لأفريقيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates