تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه

تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه؟

تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه؟

 صوت الإمارات -

تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه

بقلم - رضوان السيد

 

لست مختصاً بالتاريخ الأوروبي، لكن تكونت لدي حساسية خاصة تجاه أوروبا ومدنيتها وعالميتها وأحداثها لأنني درست بألمانيا، ولأنني عملت كثيراً على علاقات الشرق بالغرب والعرب بأوروبا. ولست أدري لماذا تشاءمت عندما قرأتُ أن أحزاب اليسار المتشرذمة في فرنسا شكلت تحالفاً بعد خسارتها مثل ماكرون في الانتخابات الأوروبية، تحت اسم: الجبهة الشعبية. وهو اتحادٌ لليسار الفرنسي استطاع بتجمعه وأمام التحدي الألماني أن يشكل حكومة عام 1936 سمّاها حكومة الجبهة الشعبية، شأن التسميات اليسارية السائدة آنذاك في ظل الاتحاد السوفياتي وأعلامه المنشورة. على عكس المرجوّ والمأمول ما استطاع اليسار في تلك المدة القصيرة (36 - 39) أن يُعدّ جيشاً قوياً، لكنه نجح في إبقاء العلاقات الحسنة مع بريطانيا. وجاء الاجتياح الألماني بعد إعلان الحرب من جانب بريطانيا وفرنسا على ألمانيا إثر تدخلها العسكري في تشيكوسلوفاكيا، ثم بولندا. ورغم الجبهة الشعبية استطاع الألمان في الحرب الثانية إخضاع الجيش الفرنسي في أقلّ من عام؛ في حين ظلَّ الجيش الفرنسي ذاته وبقيادة الماريشال بيتان صامداً لثلاث سنوات (1914 - 1917) خلال الحرب الأولى. وفي عام 1942 اتفق الألمان مع الماريشال بيتان العجوز على إقامة حكومة فيشي في الجزء الذي لم يحتلوه من فرنسا. وقد أدّى ذلك إلى إعاقة جهود ديغول الذي ذهب إلى لندن لتشكيل حكومة أو إدارة في المنفى لمقاومة الألمان و«إنقاذ روح فرنسا العظيمة»، ومحاولة البدء من المستعمرات الفرنسية التي خضعت للماريشال. والمعروف أنه نشأت حركة مقاومة ضد الألمان في سائر أنحاء فرنسا ومعظم المقاتلين فيها من الشيوعيين وأصدقائهم، حيث عُرفت بحركة مقاومة الاحتلال.

لماذا نذكر هذا كلّه؟ لأن المحللين الكثر يعتبرون أنّ الانقلابات في انتخابات الاتحاد الأوروبي أخيراً لصالح قوى اليمين المتطرف، يشبه ما جرى في ثلاثينات القرن العشرين المنصرم حين سيطرت القوى اليمينية على البرلمانات ومنها ألمانيا (1933)، وهي الانتخابات التي أوصلت هتلر للسلطة، والذي ما لبث أن ألْغى الانتخابات وأحرق الرايخستاع، واتهم بذلك الشيوعيين، ومضى يُعدُّ للحرب الثانية لينتقم من الذلّ الذي أصاب ألمانيا بعد الهزيمة في الحرب الأولى (1914 - 1918)!

إنّ الطريف أن قوى اليمين الصاعدة في شوارع المدن الأوروبية - باستثناء إسبانيا - في السنوات العشر الأخيرة هي التي أثارت ذُعْر ستيفان تسللر عام 2013 - 2014 المقاوم في الأربعينات، فدعا إلى وحدة اليسار العاجلة، وذكّر بأنّ أكثرية الفرنسيين عام 1942 كانت مع حكومة فيشي وليس مع قوى المقاومة التي كانت أقلية! ومن مظاهر الذعر الآن استقالة رئيس وزراء بلجيكا، ودعوة الرئيس ماكرون لانتخابات مبكرة بعد شهرين، وهي الخطوة التي يعتبرها أصدقاء ماكرون قبل خصومه مغامرة غير مأمونة العواقب.

إنّ قوى اليمين الراديكالي المتحالفة الآن التي فازت بـ30 في المائة من أصوات المشاركين بالانتخابات، هي عدو الديمقراطية والانتخابات والاتحاد الأوروبي، وأقوى أحزابها في فرنسا (لوبان) وألمانيا (حزب البديل)، والبلدان هما قطبا الاتحاد الأوروبي. فلماذا حصل ذلك، وما هي احتمالات المستقبل القريب؟ قيل لأنّ شباب الاحتجاجات غير حزبيين ولا يذهبون للتصويت، وكذلك كبار السن. أما المتحزبون الذين يتقدمون ببطء من سنواتٍ فهم انعزاليون ظاهراً ويعتمدون على الخوف من الهجرة على الهويات الوطنية، وكما يتفاخرون بالماضي الهوياتي الموهوم وشخصياته، فهم ساخطون على «ضعف» أحزاب الوسط وحكوماته، وينظرون بعيون الإعجاب إلى ظاهرة بوتين، لكنهم كما سبق القول انعزاليون وليسوا توسعيين.

وإذا كان اليمين الأوروبي معجباً ببوتين، فما هي علاقته بظاهرة ترمب في الولايات المتحدة؟ لا شيء واضح حتى الآن، بيد أنّ ترمب فرض نفسه على الحزب الجمهوري وهو حزب عريق، بعكس أحزاب اليمين الأوروبي فهي جماعاتٌ حديثة النشأة وليس عندها تقليد حقيقي، ولا هي ذات أهداف بعيدة! وقد فازت وشكّلت حكوماتٍ في البلدان الإسكندينافية وفي هنغاريا والنمسا وإيطاليا وما أجرت تغييرات راديكالية حتى الآن لا في السياسات تجاه الاتحاد الأوروبي ولا في السياسات الخارجية للاتحاد! وهم لا يأبهون لحلف الأطلسي لكنهم لا يعادونه.

وكذلك الأمر مع إسرائيل التي يتجنبون الحديث عنها، فيبدو أنهم يظلون حذرين حتى لا يتهموا بالعداء للسامية، ومنهم من يُظهر بشاشة تجاه الدولة العبرية، لكنّ همومهم الرئيسية داخلية، والطلاب الذين يتظاهرون في الجامعات من أجل غزة ليست لهم علاقة بهم.

هل يعيد التاريخ نفسه؟ بحسب كارل ماركس: هذا ممكن مع اتجاهٍ نحو المأساة أو الملهاة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه تقلبات أوروبا وهل يعيد التاريخ نفسه



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 01:23 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

منتدى الشعر المصري يناقش كتاب "السلطة والمصلحة"

GMT 15:50 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نصائح بسيطة للحصول على مطبخ ريفي أنيق

GMT 05:40 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 00:27 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

جينيفر لوبيز تنزلق على خشبة المسرح أمام الجمهور

GMT 04:35 2014 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

93 لوحة لـ 22 مبدعًا في معرض "ثمرة"

GMT 13:50 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

صبري فواز قيمة مع السنوات

GMT 14:30 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف علي المواصفات الكاملة لـ"كيا سيراتو 2019" الجديدة

GMT 22:03 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

انطلاق معرض تشكيلي في المدينة المنورة

GMT 01:59 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي الخميس

GMT 02:05 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

"هواوي" تطرح هاتف "Y6C" في مصر بأسعار تنافسية

GMT 14:41 2013 الجمعة ,22 شباط / فبراير

صدور كتاب باللغة الكوريّة لقصائد سعاد الصباح

GMT 11:59 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

توقيع "أذان الأنعام" لعماد حسن في شبابيك آخر الشهر

GMT 11:51 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تثير إعجاب الجمهور بحضور عيد ميلاد توأم زينة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates