أزمة الصحافة وبدائل «الاتحاد»

أزمة الصحافة.. وبدائل «الاتحاد»

أزمة الصحافة.. وبدائل «الاتحاد»

 صوت الإمارات -

أزمة الصحافة وبدائل «الاتحاد»

رضوان السيد
بقلم : رضوان السيد

خطت صحيفة «الاتحاد» الخطوة الرابعة أو الخامسة في السنوات الأخيرة في سبيل التطوير. بيد أنّ الخطوة الأخيرة التي أُعلنت قبل أسبوع كانت الأكثر جرأةً والأكثر ملاءمةً للأساليب الجديدة في الإعلام ووسائل التواصل. هناك أزمة طاحنة تمرُّ بها الصحافة الورقية منذ مطلع القرن العشرين، وهي تتفاقم عاماً بعد آخر، وصارت أخيراً شهراً بعد شهر. ويرجع ذلك لعوامل معرفية ومنهجية ومهنية ومالية. فالصحافة في الأصل صحافة خبر، ومنذ مدة حل التلفزيون محل الصحافة في تقديم الخبر، لأنه أسرع وأكثر قدرةً على التجاوب. والآن توشك وسائل التواصل الأُخرى أن تحل محل التلفزيون، لولا الصورة والحيوية (غير الشخصية) التي تتسم بها المشاهد التلفزيونية المصاحبة للأخبار. وقد حاولت الصحافة أن تتجاوز هذا القصور بالصيرورة إلى التحليل أو ما وراء الخبر. وقد نافسها في ذلك أيضاً التلفزيون الأكثر سرعةً وقدرة على استجلاب الخبراء والمتخصصين. لكن إذا كان التحليل مستوفياً يكون طويلاً، وهذا لا تتحمله الصحافة اليومية ولا يتحمله أهل التلفزيون، لذا صار الرأي إلى المجلات المتخصصة وشبه المتخصصة التي لا تقرؤها غير النُخَب، ولذلك تحتاج للدعم من الحكومات أو من مؤسسات علمية واستراتيجية كبرى. أما الفهم السريع للحدث وما وراءه فبقيت بقيةٌ منه في الصحف.. لكن أيضاً في وسائل التواصل الأُخرى. 
والصحافة حرفةٌ عريقةٌ يصل عمرها نحو المائتين وخمسين عاماً. وقد كانت في حراسة الحكومات ولتسجيل أعمالها، ثم اختلط النوعان الحكومي والحر. أما المعارضة والثقافة فكانتا غالباً في المجلات التي ظهرت بالمشرق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أي أن مهنة الصحافة صارت، إذا أُريد لها الإتقان، شديدة التعقيد وكبيرة الأعباء. حتى قيل في فترة إنّ التلفزيون أقل تكلفةً من صحيفة عريقة وشاسعة الاهتمامات مثل «لوموند» و«التايمز» و«نيويورك تايمز» و«وشنطن بوست».
وعلى أي حال فإنّ المهتمين والمشاركين في القرار وأصحاب المصالح والاستراتيجيات الكبرى، صاروا منذ مدة يؤْثرون الاستثمار في شركات التلفزيون أو في وسائل التواصل التي صارت محبوبةً جداً لدى الشباب مثل الأنواع المختلفة للرياضة. 
وعلى أي حال، ثقافة ما بعد الحداثة أو ثقافة وسائل التواصل هي نوعٌ جديدٌ من الثقافة، مثل الانطباعية بين مدارس الفن الحديث. إذ هي توهِمُ بخصوصيةٍ وحجيةٍ شديدة، وبأنّ الفرد هو الذي يصنع الحدث، ويشارك على قدم المساواة مع الآخرين، ويُعرض عما لا يريد، ويصنع ويشجّع ما يريد. كل هذه الاهتمامات والهموم كانت محل اعتبارٍ ومراجعة ومتابعة ونقد من أهل الصحافة الكبار، ومن المسؤولين الحكوميين، وبخاصة في البلدان الغربية، لأن هناك قيماً أصليةً في الحريات الأساسية وحرية التعبير ارتبطت كلها بالصحافة المكتوبة التي أسهمت حتى في إنتاج الدساتير والقوانين. ونتيجة لهذه التقديرات، برزت مسالك لمعالجة أزمة الصحافة. فصارت بعض الصحف مِلْكاً لرجال الأعمال الكبار، وبعض هؤلاء دخلوا على الصحافة بعد دخولهم على وسائل التواصل، فأفادوا لهذه الناحية بالوصل بين الإلكتروني والورقي، لكنهم أضروا في مسألة الحرية، لارتباط الإعلام بمصالحهم التجارية والسياسية.
أما المسلك الآخر فكان إقفال الصحيفة، لعجز مادي أو باعتبار أن وظيفتها انتهت. 
والمسلك الثالث هو مسلك صحيفة «الاتحاد» الغراّء، والتي ربطت الورقي والإلكتروني بوسائل التواصل الأخرى المتكاثرة. ولأنها صحيفة تاريخية، لارتباطها بتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فلديها هذه الذاكرة الخالدة من جهة، ورسالة التسامح والتعدد والاتحاد من جهة ثانية. وهاتان رسالتان لا تمتلكهما أي وسيلةٍ إعلاميةٍ أُخرى. فإذا اجتمعت لديها وبأسلوب شائقٍ وموجز الرسالتان، إلى النهج الإلكتروني، وثقافة وسائل التواصل في الجزء المحترم والإنساني منها، فإنّ ذلك حري بأن يمنحها عمراً جديداً مستحقاً. 
نحن متحيزون لأننا من جيلٍ تربى على الصحافة الجادة والمشرقة في الخبر والتحليل. لكننا أيضاً نفهم ضرورة الاستجابة لتحديات الحاضر، وهو أمر قامت به «الاتحاد»، والذكر للإنسان، كما يقول المتنبي، عمرٌ ثاني. 

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة الصحافة وبدائل «الاتحاد» أزمة الصحافة وبدائل «الاتحاد»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 01:23 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

منتدى الشعر المصري يناقش كتاب "السلطة والمصلحة"

GMT 15:50 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نصائح بسيطة للحصول على مطبخ ريفي أنيق

GMT 05:40 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 00:27 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

جينيفر لوبيز تنزلق على خشبة المسرح أمام الجمهور

GMT 04:35 2014 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

93 لوحة لـ 22 مبدعًا في معرض "ثمرة"

GMT 13:50 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

صبري فواز قيمة مع السنوات

GMT 14:30 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف علي المواصفات الكاملة لـ"كيا سيراتو 2019" الجديدة

GMT 22:03 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

انطلاق معرض تشكيلي في المدينة المنورة

GMT 01:59 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي الخميس

GMT 02:05 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

"هواوي" تطرح هاتف "Y6C" في مصر بأسعار تنافسية

GMT 14:41 2013 الجمعة ,22 شباط / فبراير

صدور كتاب باللغة الكوريّة لقصائد سعاد الصباح

GMT 11:59 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

توقيع "أذان الأنعام" لعماد حسن في شبابيك آخر الشهر

GMT 11:51 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تثير إعجاب الجمهور بحضور عيد ميلاد توأم زينة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates