أردوغان وأعباء الأطماع

أردوغان وأعباء الأطماع

أردوغان وأعباء الأطماع

 صوت الإمارات -

أردوغان وأعباء الأطماع

بقلم : رضوان السيد

كنت في خريف عام 2010 أُناقش مع أحمد داود أوغلو، في برنامج تلفزيوني، كتابه الشهير حول استراتيجية السياسة الخارجية التركية، والذي اشتهر باسم صفر مشاكل! وقد قلت له: لا تقلّدوا غيركم لا في سياسات المواجهة مع الغرب، ولا في التغلغل السياسي والطائفي في الدول المجاورة وغير المجاورة. واستغرب الرجل التحذير، وقال إنّ ما أُحذّر منه غير ممكن الحصول وغير معقول أصلاً. فالأتراك في حلف الأطلسي، وطموحهم الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. وكلا الأمرين يفرضان على تركيا سياسةً وديةً تجاه الغرب (أميركا وأوروبا) صارت التزاماً وطنياً لفائدتها الكبيرة لتركيا في الاقتصاد وفي الأمن وفي سائر الشؤون. وهم على صداقةٍ مع إيران لن تتزعزع للتشارك في المصالح والفوائد المتبادلة (المشكلة الكردية والتبادل التجاري). وكذلك الأمر مع العرب وبخاصةٍ مع سوريا والعراق. كانت هناك مسألة واحدة تقلق أوغلو، لكنه قلقٌ غير كبير، وهي: العلاقة مع روسيا الاتحادية؛ كيف يمكن تحسين العلاقات معها وتعظيم الفوائد المتبادلة، دون أن تنشأ من وراء ذلك مشكلاتٌ أو حساسياتٌ مع الغربين الأميركي والأوروبي.
إنما منذ صار أردوغان رئيساً للجمهورية التركية في عام 2016، وقع كل المحذور الذي كان أوغلو يستبعده، وامتلأ محيط تركيا القريب والبعيد بالمشكلات، إضافةً للمشكلة الداخلية التي تكاد تصبح مستعصية. منذ عام 2014 كانت الاختلافات قد تفاقمت بين أردوغان وأوغلو، وبينه وبين زميله الآخر عبد الله غول. فقد أُبعد الرجلان عن المناصب، وما عاد لهما نفوذ في قيادة الحزب الحاكم. لكنهما بديا قريبين مجدداً من أردوغان بعد محاولة الانقلاب 2016. قال لي أوغلو عام 2017 إنه يصدق أنه كان هناك دور في الانقلاب لغولون. لكنه لا يرضى أن تطال الملاحقات حوالى مئة ألف من العسكريين والأمنيين والقضاة والأساتذة والمدرّسين. لقد قال: إذا كانت «المؤامرة» بهذا الاتساع، فهذا يعني أنّ هناك مشكلة حقيقية مع أردوغان و«حزب العدالة والتنمية». وهذا إلى جانب المشكلة الكردية التي يزداد تفاقُمُها.
بدأت مشكلات أردوغان العربية في عام 2012 عندما قرر التدخل في سوريا عن طريق الاستخبارات وفِرَق المعارضة السورية التي لجأت لتركيا، ووصولاً إلى غض النظر عن الدواعش في سوريا والعراق، وقد استقدموا الآلاف عبر تركيا. وبعد العام 2013 وسقوط مرسي، استقبل الأتراك الآلاف من «الإخوان»، وصارت تركيا إحدى منصّتين للهجوم على مصر وعلى دول الخليج التي انسحبت من الوساطة في سوريا والعراق بعد نشوب النزاعات الأهلية فيهما. وما قبل أردوغان الدخول في الجبهة العالمية بزعامة الولايات المتحدة ضد الإرهاب. ثم اعتبر نفسه كاسباً عندما اتفق مع بوتين بعد فترة توتر، ليكون عضواً في ثلاثية أستانا وسوتشي، بحجة إيجاد حل «سياسي» للحرب السورية.
وعلى وقْع السياسات الخارجية الجديدة لأردوغان ازدادت مشكلاته مع الولايات المتحدة وأوروبا. مع الولايات المتحدة بسبب رعايتها للأكراد في شمال سوريا، ومع الأوروبيين بسبب الهجرة واللاجئين. وزاد الطين بلّة إقدام أردوغان على شراء صواريخ «اس -400» من روسيا، وردّت الولايات المتحدة بتعطيل صفقة طائرات F35 لتركيا. وما وافق الأميركان والروس عملياً على فكرة لإقامة «منطقة آمنة» على الحدود مع سوريا اقترحها أردوغان لتحقيق أمرين: إبعاد الأكراد المسلمين عن حدوده لمسافة ثلاثين كيلومتراً، وإعادة مليون ونصف مليون سوري لجؤوا لتركيا إلى «المنطقة الآمنة» المفترضة. وفي مفاوضات مع ترامب ومع بوتين كانت أقرب للمماحكة، انسحبت الولايات المتحدة لمسافة ثلاثين كيلو تاركةً الأكراد لمصيرهم، وقبلت روسيا أن تكون شريكاً لتركيا في منطقة الانسحاب الأميركي، راجيةً زيادة نفوذها من جهة، وإفادة الحكومة السورية بدخولها إلى مناطق الأكراد التي غادرتها قبل خمس سنوات.
لقد أثار التدخل التركي سُخْط الجميع. فاضطر الأميركيون للعودة الجزئية لحماية النفط والغاز كما قالوا، وزاد الأوروبيون مساعداتهم للأكراد.
وإلى ذلك حدثت مشكلات بتركيا داخل «حزب العدالة والتنمية»، بعد خسارته المدن الكبرى في الانتخابات البلدية.
لدى أردوغان الآن، وبعد أقلّ من عقد على سياسة الصفر مشاكل، مشكلات كبرى داخل المجتمع التركي، ومشكلات مع كل العرب، ومشكلات مع الأميركيين والأوروبيين، ومشكلات في الاقتصاد والنمو بعد عقدٍ ونصفٍ من النمو والازدهار. وهي مشكلات وأعباء تراكمت نتيجة أمرين: السياسات الإمبراطورية، والتحول إلى سلطة الواحد والاقتصاد الموجَّه بالداخل التركي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان وأعباء الأطماع أردوغان وأعباء الأطماع



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates