بقلم - محمد اليامي
مرة أخرى يتفوق تطبيق "أبشر"، أحد أشهر وأنجع التطبيقات في العالم، وهذه المرة يتسق مع تحولاتنا الرقمية التي تنشدها الرؤية، ونحقق فيها كل يوم تطورا جديدا.
تم إطلاق نسخة إلكترونية من الهوية الوطنية في تطبيق وزارة الداخلية الإلكتروني "أبشر أفراد" تحت مسمى "الهوية الرقمية"، بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ممثلة في مركز المعلومات الوطني.
المتوقع قياسا على هذا أنه ستصدر قريبا الهوية الرقمية للمقيمين، ثم رخص القيادة، ورخص سير السيارات، وهكذا دواليك، فماذا يعني هذا؟ في معناه البسيط العفوي سيعني أن حمل حافظة أو "محفظة" سيبدأ بالانقراض، وعلى مستورديها، وربما على مصنعيها، التحول إلى حافظات أجهزة الهاتف، الهاتف الذكي تحديدا، الذي يبدو فعلا أنه لم يعد من الكماليات، خاصة أن حمل النقود لم يعد ضروريا أبدا.
ما تعنيه هذه الخطوة فعليا أن هناك نقطة تحول جديدة في تطوير التعاملات الإلكترونية للأفراد، وأن عصر بطاقات البلاستيك بدأ في الأفول، كما حدث لعصر الوثائق الورقية من قبله.
في المعنى الأعمق، سيغير الشمول الرقمي عميقا في حياة البشر، ورغم أن الحديث عن "هوية" بمعنى وثيقة التعريف الرسمية بالشخص، إلا أنه لا يمكن إغفال تأثير ما يحدث تقنيا ورقميا على هويات البشر، هوياتهم التي ليس هناك شيء جوهري أكثر منها.
لا تعكس الهوية كوثيقة تعريف حقيقة من نكون، لكنها اليوم كمكون ضمن النسيج الذي يحيط بنا، ستصبح جزءا من مزيج هوية كل فرد منا، المزيج المنسوج من التاريخ الشخصي والمعتقدات والسلوكيات، المزيج الذي تضاف إليه الهويات الثقافية والعائلية والقومية ويرتبط ويتأثر بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية التي نعيش فيها، ورقمنة وثائق التعريف جزء من بيئة متطورة ستؤثر في تشكيل هويات الأفراد.
تتسع الدائرة الرقمية يوميا جاذبة مزيدا من الناس نحو العصر الرقمي، ومتدخلة في تصور مسارات مختلفة لمستقبل الأفراد، ستبرز في الأجلين القريب والمتوسط، وستحدد كثيرا من ملامح المستقبل، مستقبل الهويات الفردية والقومية.
وكما قلنا أن الأمية أصبحت أمية إلكترونية أو رقمية، سنقول قريبا أن الفقر والغنى لن يرتبط بالمال وحده، سيتحدد بناء على "المستوى الرقمي" للفرد، حيث يبدو أن المستقبل سيتسم بظهور فقراء وأثرياء رقميين، وإقصاء للفقراء منهم، ربما يكون جبريا في مرحلة ما ستأتي، وستصبح المسألة حاجة ملحة، وستظهر معها "الطبقية الرقمية"، إن صح الوصف.
مستوانا الرقمي الحالي في السعودية في المراكز الأولى عالميا، وسنشهد تحولات جديرة بالتأمل والبحث العلمي الاجتماعي والاقتصادي، وبالطبع، الكتابة.