بقلم - محمد اليامي
يتخذ القرارات العقلانية من لديه تصور للمستقبل، مستقبل بلاده، والعالم، ويتخذ القرارات الاستراتيجية الشجاعة من لديه طموح حقيقي للإصلاح والتقدم.
تطوير التشريعات القضائية خطوة مهمة حضاريا وتاريخيا وفيها قراءة عميقة لمكامن خلل يجب تعديلها للوصول إلى مستوى أفضل في التعاملات، داخليا وخارجيا.
اطلعت على عرض تقديمي مفصل من لجنة إعداد هذه التشريعات بعد إعلانها من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بساعات قليلة، ورأيت مشروعا جبارا آخذا وقتا وجهدا، ولم يكن محصورا في أهل القضاء والقانون، بل امتدت الدراسات إلى خبراء وعلماء الاجتماع، وعلم النفس، والأسرة، والاقتصاد، وفي هذا نقلة مهمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلم الاجتماع الذي يشكل أخذ مرئياته جزءا من التطور في التفكير والتنفيذ الذي نعيشه.
اقتصاديا، سنشهد مزيدا من استقرار الحقوق المالية واطمئنان أفراد المجتمع داخل المملكة لصحة التعاملات التي يجرونها، وتسهيل القرارات الاستثمارية بوجود نظام للمعاملات المدنية، وما اتسم به من وضوح وقواعد آمرة، وتحفيز الاستثمار الأجنبي لوضوح الأنظمة المدنية والجزائية.
أيضا هناك تنظيم الحركة الاقتصادية وجعلها أكثر سلاسة وديناميكية، نظرا إلى ما يترتب على التنظيم من تقليل التنازعات، إضافة إلى تقليل الإنفاق على التكاليف القضائية، لأن التشريعات القضائية ستحد من الإنفاق المالي المترتب على تكاليف التقاضي الناتجة عن تزايد حالات اللجوء إلى المحاكم لفصل النزاعات.
اجتماعيا، نحن بصدد تعزيز السمعة السعودية دوليا، وتعزيز الحقوق محليا، خاصة فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية والطرفان الأضعف فيها تاريخيا، المرأة والطفل.
قانونيا، كون الجميع متساوين أمام القضاة، سيصبح القضاة أيضا متساوين أمام الناس، وكما يطبقون شريعة واحدة، سيطبقون أيضا تقنينا واحدا، وإجراءات واضحة وثابتة لكل قضية، دون اجتهادات شخصية، أو مواقف أيدلوجية مسبقة، أو موقف من أفكار، وأشخاص، وقضايا عامة وخاصة.
ثقافيا، كان واضحا في هذا الإعلان وتفاصيله التصالح مع علم الاجتماع، وعلم النفس، دون المساس بأصول الشرع المتفق عليها.
لقد أبدت الملامح الأولية لهذه التطورات في التشريعات تقريب وجهة النظر الشرعية والقانونية مع علوم إنسانية أخرى هي في الأصل علوم تكاملية مع القانون، ليتوجه المشرع نحو الواقعية الاجتماعية، ومن قبل نحو الواقعية التاريخية، وليقلل أو يحد من سلطة الأفراد "التقديرية"، لتكون السلطة للشرع الحنيف والقانون المدون.
إن المعتبر دوما هو تحقيق العدالة والمساواة، فليحيا العدل، ولتواصل بلادنا وقيادتنا هذا التنوير الحقيقي المرتكز على أفعال أصيلة، وليس ذلك المتشبث بالأقوال وتوافه القضايا الصغيرة.