بقلم - فهد الدغيثر
مع كل الاحترام للدستور الأمريكي الذي حافظ على وحدة الولايات المتحدة وحمى نموها وتفوقها لأكثر من قرنين ونصف إلا أن ذلك لا يعني تدخل تلك الدولة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. يتردد كثيراً خصوصاً بعد فوز الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية 2020 الكثير من المقولات عن حقوق الإنسان في المملكة وعن قضية جمال خاشقجي بل وحتى محاربتنا للفساد تم توظيفها سلبياً هناك.
بصرف النظر عن ذلك كله، الذي ربما يجهلونه أننا في المملكة لا نكترث لهذه الأسطوانات التي أصبحت مملة. نحن نتمتع بقضاء ونيابة عامة وأجهزة أمنية عالية المستوى ومحاكم وتحاكم وأحكام. مهنة المحاماة أصبحت من أكثر المهن نمواً بسبب ارتفاع الوعي وتحديث الأنظمة وحفظ الحقوق. المملكة لا تدار بواسطة محاكم تفتيش أو محكمة عسكرية أو تحت تأثير وسطوة المافيا كما في الستينات والسبعينات إلى الثمانينات في نيويورك وشيكاغو ونيوجيرسي بل بواسطة قضاة شريعة شرفاء يواجهون يومياً آلاف القضايا. يكفي إلقاء نظرة خاطفة على مواقع وزارة العدل السعودية والتعرف على عدد الحالات المتنوعة التي يتم التقاضي حولها وهي بعشرات الآلاف ما بين قضايا تجارية وجنائية وأحوال شخصية. الشعب السعودي هو المعني بذلك وهو من يقبل الأحكام ولا يقبل تدخلات الغير بذلك.
ثم أن لكل دولة نظامها القضائي، فبينما تتمتع الولايات المتحدة بنظام المحلفين في الحكم على القضايا فإن عدداً كبيراً من بقية دول العالم لا تفعل ذلك. هذا بالطبع لا يعني أفضلية نظام على آخر ولا يعني تحديداً وعلى سبيل المثال أن للمملكة الحق في التدخل في القضاء الأمريكي الذي برأ أوجيه سيمبسون من قتل زوجته وصديقها قبل 25 عاماً رغم الأدلة الفاضحة والقطعية. لا يحق لأي دولة أخرى أن تنتقد نقل تلك المحاكمة إلى منطقة وسط مدينة لوس أنجليس حيث يغلب الأمريكان السود على السكان وبالتالي على اختيار المحلفين بينما وقعت الجريمة في منطقة برنت وود ومعظم قاطنيها من الأغنياء البيض وتوجد بها محكمة. هل يحق لنا أن نقول إن هذا التصرف يكرس وجود العنصرية؟ بالطبع لا لأن ذلك هو ما يتيحه النظام هناك. تماماً كما لا يحق لأي طرف آخر أن يقول بأن محاكمة الأفراد الذين قتلوا جمال خاشقجي في محكمة سعودية غير كاف، خصوصاً وأن الحكومة السعودية وبمبادرة منها سمحت لعدد من ممثلي دول العالم بحضور المحاكمة من بدايتها حتى النطق بالحكم بعد الاستئناف وصدرت أحكام بإعدام الجناة.
حتى في العقوبات التي تصل إلى القصاص نسمع بأن المملكة قاسية في أحكامها ويقاس ذلك بعدد حالات الإعدام السنوية لمن توصل القضاء إلى الحكم عليهم بالإعدام. الغريب بل والعجيب أن عدد من يتم تنفيذ أحكام الإعدام بهم في المملكة لا يتجاوز المائتين سنوياً بينما في الولايات المتحدة يوجد أكثر من 2800 سجين ينتظر كل واحد منهم يوم الإعدام الذي سينفذ ضده. في ولاية تكساس وحدها تصل الحالات إلى 500 سجين ينتظرون التنفيذ. هل سمعتم يوماً نقداً للولايات المتحدة بسبب تزايد حالات الحكم بالإعدام؟ وهل ستسمح أمريكا أن يتهمها أحد بتغييب حقوق الإنسان؟
في مقابل كل ذلك وحتى لو افترضنا جواز التدخل في شؤون الدول الأخرى، توجد دول مارقة وقمعية تمارس إحداها القتل بالرصاص في شوارع عاصمتها ومدنها ضد أي مظاهرات تطالب بالإصلاح مثل إيران. في تركيا يقبع في سجونها الآلاف لمجرد معارضة السلطان أردوغان. لكن لا أحد يرغب في التنديد أو تجييش الإعلام والمنصات الأخرى للحديث عن ذلك. بل إن الدول الأوروبية وأمريكا في هذه الأيام يتوددون لتلك الطغم الفاسدة في حكومة طهران للقبول في التفاوض.
السعوديون وبفضل جيناتهم النقية وولائهم لهذه الأرض وقيادتها وأيضاً بفضل جميع المنابر المعارضة التي لم تبق ولم تذر في البذاءة وتلفيق الأكاذيب، ارتقوا بتقييمهم ووعيهم وأصبح شعبنا مدركاً لكل ما يدار حوله من خطط غبية لا يقبلها عقل أي سعودي. الحكومة السعودية بالطبع وهي المتفوقة على ظروف الزمان والمكان كما نرى وكما سيأتي تدرك ذلك. المضي قدماً في تنفيذ خطط التنمية ونقل البلاد إلى وجهة عالمية ليس فقط في شقها الديني المتسامح بل والاجتماعي والثقافي والسياحي وخلق فرص العمل والانفتاح المنضبط بشكل عام، هي أولويات لم ولن تتغير مهما ارتفعت أصوات النشاز. استثمار السعوديين ليس في الرد على أبواق يتم استئجارها ولا على أنظمة وأحزاب يتم اختراقها والتغاضي عن سقطاتها ولا في الانتباه للنفاق السياسي الذي لم يعد سراً، بل على بناء البلاد بالعقول الوطنية وتبني الطموحات العالية نحو مستقبل واعد لأجيال المستقبل.