بقلم - فهد إبراهيم الدغيثر
صحيح أن كرة القدم هي الأولى في شعبيتها حول العالم مقارنة بالرياضات الأخرى، لكنها متخلفة تنظيمياً وخصوصاً في التعليق والتحليل وضبط الوقت ودقة التحكيم وغياب العقوبات التي من شأنها فرض هيبة شخص الحكم (القانون). «فيفا» لا تزال في الغالب تتصرف وكأنها تعيش في ثلاثينات القرن الماضي، إذ لم تلجأ حتى الآن لأي تطبيق علمي يرفع من انضباط اللعب وحفظ حقوق الأندية أو المنتخبات الوطنية.
مثلاً، وافقت «فيفا» على وضع الساعة الحديثة داخل شاشات الملاعب لكنها لا تحسن ضبط الوقت الضائع آلياً ولا يتوقف العقرب مع توقف اللعب عند الإصابات أو الأخطاء بتوجيهات من الحكم، كما يحدث في رياضات متعددة مثل كرة السلة والفوتبول الأمريكية والهوكي. بدلاً من ذلك تركت الموضوع سرياً لا يعرفه إلا شخص الحكم كما هي الحال منذ 100 عام. الجمهور واللاعبون لا توجد لديهم أي فكرة متى ستنتهي المباراة بالضبط قبل إعلان الحكم عن الوقت الضائع. وحتى أثناء الوقت الضائع يتوقف اللعب وهكذا دواليك.
استعانت بالفيديو لمراجعة بعض الأخطاء لكنها لم توفر الآلية اللازمة لمراجعتها حتى أصبحت الفكرة أضحوكة. إن لم يتوقف اللعب من نفسه كخروج الكرة إلى الآوت مثلاً فليس لدى الحكم فرصة لمشاهدة ذلك الخطأ. كم ضربة جزاء احتسبها الحكم بعد دقائق من استمرار اللعب؟ الحل كما في رياضات متقدمة حول العالم، وخصوصاً في أمريكا، يستطيع مدير الفريق المتضرر عند مشاهدته السريعة للإعادة من جهازه أو جهاز مساعديه طلب إيقاف اللعب فوراً لمراجعة قرار الحكم. إن نجح وتم إثبات وجود الخطأ فهذا جيد وإن لم يوجد خطأ فيتم إنذار المدرب أو تقليص عدد التبديلات مثلاً كعقوبة له. هذا من شأنه ضبط حالات الاحتجاج وقصرها على الأهم فقط.
«الفيفا» لم تجد حلاً لمجادلة اللاعبين مع الحكم. إلى اليوم ومع كل خطأ نجد تجمهر اللاعبين حول الحكم ومحاصرته في مشهد فوضوي لا علاقة له بالقانون. ورغم أنني لم أقف على حالة واحدة قام الحكم بتغيير رأيه بسبب هذا التجمهر إلا أن المشهد مستمر حتى اليوم. هيبة القانون تائهة هنا ولا وجود لها. على أن المضحك هو احتساب الكرة «آوت» في بعض الأحيان عندما يتفنن اللاعب الذي يؤدي ضربة «الكورنر» بجعل الكرة تتقوس إلى الخارج قليلاً وتعود. الهواء يجب أن يعتبر جزءاً من الملعب ولا يحتسب «الآوت» إلا عندما تلامس الكرة الأرض خارج المستطيل.
النقل والتصوير والتعليق والتحليل الرياضي. المعلق الذي ينقل المباراة مجرد ناقل لما نشاهده لكنه لا يتدخل في الحكم على وجود خطأ مثلاً. ما الذي يمنع وجود خبير فني بجانبه يدلي برأيه في ما يحدث. في كل مواجهة حول العالم سواء في كرة الفوتبول الأمريكية أو السلة يوجد عدد من الأفراد في منصة التعليق. لو نطبق ذلك هنا ومع ما ذكرته قبل قليل من تدخل مديري الفرق، فإننا سنقلل من فرصة الوقوع في الأخطاء. عندما نفعل ذلك فإن التحليل الرياضي لن يجد وقتاً للتناحر وكيل التهم والتفاهات التي نراها اليوم وسينصب تركيز المحللين على الأمور الفنية.
أخيراً ورغم شعبية هذه الرياضة، لا يوجد فريق مخصص لرصد الإحصاءات المتصلة في البطولات بكامل معلوماتها وبدقة وتوثيق. كل الذي نراه من أرقام يتمحور فقط في نسبة الاستحواذ وعدد الأخطاء والكروت الصفراء لكل فريق. اللاعبون كأفراد لا نعرف كم ساهم كل واحد منهم في صنع الأهداف أو الدفاع أو دقة التمريرات في الموسم والمواسم التي سبقته. لا نعرف كم مرة حصل على إنذارات طوال مسيرته وكم مرة تم طرده منذ أن أصبح محترفاً.
هناك الكثير مما لا يتسع له هذا المقال. الرياضة لم تعد مجرد تسلية بل أصبحت صناعة واحترافا ورصدا وإحصاءات وتوثيقا ومقارنات ونجوما وتكريما وقاعات للمشاهير، وغير ذلك الكثير. هذه الصناعة يفترض أن تبدأ من المدارس الثانوية والجامعات بحيث لا يحترف من لم يحقق شهادة دراسية. لعلنا نعود فيما بعد لدراسة هذه الاقتراحات بالتفصيل.