أردوغان وبربروس والسراج

أردوغان وبربروس.. والسراج

أردوغان وبربروس.. والسراج

 صوت الإمارات -

أردوغان وبربروس والسراج

حمد الكعبي
بقلم - حمد الكعبي


قبل أن يوقع أردوغان، وحكومة الوفاق الليبية اتفاقين لترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني، في نوفمبر الماضي، كان الضجيج الإعلامي المنبعث من منصات التطرف ورعاتها، يحثه على مزيد من المغامرات، ويسوّغ له تدخلاته العسكرية والأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، ويحيطه بهالات الزعامة التي تستهوي أكثر من غرور، وتستجيب لأكثر من نزعة كامنة في شخصية الرئيس التركي.
سنوات عديدة بعد «الربيع العربي»، لم يتنازل فيها أردوغان عن نزعته العثمانية، ولا عن أطماع إمبراطورية انتهت إلى دولة تتأرجح بين التدين السياسي، والعلمانية الهشة، التي لم تقنع أوروبا بأنّ تركيا أردوغان قادرة على أن تكون جزءاً من المنظومة القارية. ظلّ الزعيم العثماني يفكر دائماً بالقفز عن إرث كمال أتاتورك، والحنين إلى زمان السلاطين، فكانت له زعامة مطلقة في التركيبة السياسية التركية، وعبث بدستور البلاد، وشيّد قصوراً، وأبهة عثمانية.
بعد أسابيع من توقيع الاتفاقين مع حكومة فايز السراج، خطب أردوغان في الشعب التركي، وكان واضحاً في النزوع إلى عثمانيّته وتاريخها. قال حرفياً «نحن پبصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط. ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها (أمير البحارة العثمانيين) خير الدين بربروس (1478-1546)، وهم بالفعل سيواصلون كتابة تلك الملاحم».
لعل السراج سمع ذلك. فإما أنه اعتبر الأمر مجرد استعراض أردوغاني معتاد، يحبه المتطرفون وخلاياهم وقواعدهم، أو أنه أصيب ببعض أمراض حليفه، فقرر المغامرة بسيادة ليبيا وثرواتها ومصير شعبها، وهو يعلم تماماً أن أردوغان سيزج آلاف المرتزقة، لقتال جيشها وشعبها، ويحولها ساحة مضطربة، لتكاثر الميليشيات الإرهابية، وفي الحالتين، تجاهل «رئيس حكومة الوفاق» أن السلطان التركي، وبعيداً عن حماسته الخطابية وأوهامه القومية، يتطلع إلى حصة من ثلاثة تريليونات دولار محتملة من غاز شرق المتوسط، وهو حينما يستذكر التاريخ، فلهذه الغاية ليس أكثر.
ولا ندري إذا كان السراج، وداعموه، يعرفون أن القائد البحري العثماني خير الدين بربروس، كان يجوب البحر المتوسط في إطار التنافس مع إسبانيا ومالطا والبرتغال، ولفرض هيمنة العثمانيين على حركة التجارة فيه، وحين يتقمص أردوغان شخصية أسلافه، فهو لا يعبث بالتاريخ فقط، ولا بالمقارنات المختلة، ولكنه يريد استئناف ذلك التاريخ، على حساب مصائر دول وشعوب، ومن الأسى والهزيمة أنَّ هناك من يصفق له.
الآن يهدد أردوغان مصالح دول عديدة مشاطئة للبحر المتوسط، ويستعير أسلوباً عثمانياً جربه سلاطين قبله، في استخدام المرتزقة جنوداً لمعركته في ليبيا. ربما لم يكن السراج يتمتع بالذكاء السياسي الكافي، لإدراك أبعاد استعادة أردوغان لخير الدين بربروس، لكنّ التاريخ سيسجل عليه، وعلى داعميه، أنهم تحالفوا مع الارتزاق، ومع رهن بلد عظيم بشعبه وثرواته لرجل، أوقع تركيا في خسارات كثيرة، لا يمكن معها استعادة الأوهام العثمانية، مهما كان الضجيج عالياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان وبربروس والسراج أردوغان وبربروس والسراج



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates