بقلم - حمد الكعبي
آن لهذه المنطقة أن تنعم بالسلام والاستقرار والتنمية، فقد فتكت بها الصراعات والتوتر طوال العقود الماضية، وضاعت فرص كثيرة في سبيل إيجاد الطريق الصحيح الذي يصل بالناس إلى حياة مزدهرة، ويجعل الأمل ممكناً في أعقاب الانغلاق والجمود والتشدد في مواقف الدول.. والجميع في هذه المنطقة يتحمل المسؤولية عن أجيال متعاقبة، أنهكتها نزاعات طويلة انعكست سوءاً على كافة مظاهر وتفاصيل الحياة.
الإمارات، وعبر تاريخها الطويل، تمسكت بالسلام، وكانت وما تزال وستظل مع الحقوق العربية المشروعة في الصراع العربي الإسرائيلي، ومع حقوق الشعب الفلسطيني، والدبلوماسية الإماراتية جزء من كل الجهود التي شهدتها المنطقة لإحلال سلام عادل ومشرف، واستثمرت كل إمكاناتها في هذا الاتجاه، وعندما تستجيب دولتنا اليوم لمنطق الصراع الذي ينتهي بالسلام مع حفظ الحقوق.. فإنها تعكس مواقف صلبة وتاريخية وشجاعة في وقف خسائر المنطقة عند هذه النقطة، وتقدير المصالح العربية بمنتهى الواقعية السياسية حفاظاً على مصالح شعوبها.
في العام 1979 وقعت الشقيقة الكبرى مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، واسترجعت حقوقاً مصرية وعربية، وأبرم الأشقاء الفلسطينيون والأردنيون اتفاقين في عامي 1993 و1994، وأقامت دول عربية وإسلامية علاقات جزئية أو كاملة مع تل أبيب، وقد استرجعت مصر سيناء، وأصبح للفلسطينيين وجود على أرضهم في الطريق نحو دولتهم المستقلة، واسترد الأردنيون بالسلام حقوقهم المشروعة في الأرض والمياه، لكن عملية السلام ظلت بين مد وجزر، وتعطلت كثيراً لأسباب معروفة للجميع.
الإمارات جعلت حل الدولتين أساساً في المسار الذي تسير فيه نحو السلام مع إسرائيل، ولا تستطيع بحكم مرجعيتها العربية والإسلامية، وإيمانها بمبادئ الحق والعدل والأخوة الإنسانية بين أتباع الديانات الثلاث إلا الوقوف مع حقوق الشعب الفلسطيني، ومرتكزاتها واضحة في هذا المجال، وساهم ثقلها الدبلوماسي واتزانها ومصداقيتها في المجتمع الدولي، خلال الأسابيع الماضية، في وقف عزم إسرائيل على ضم أراض فلسطينية، بما يشكل تهديداً مباشراً لمبدأ حل الدولتين، ولمبدأ تقرير المصير العادل للأشقاء الفلسطينيين.
مفاوضات وحوارات واسعة عميقة خلال الشهور الماضية باتجاه التوصل إلى علاقات ثنائية كاملة مع إسرائيل، وما كانت لتتم لولا إصرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على وقف ضم الأراضي الفلسطينية، وعلى حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى حقوق المسلمين والمسيحيين في الصلاة دون عوائق في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وسموه من أبرز قادة المنطقة تأكيداً على وجوبية الحفاظ على المقدسات واحترام مكانتها الروحية لدى الشعوب، وعلى أهمية أن تكون العلاقات بين معتنقي الديانات الثلاث قائمة على الجوامع المشتركة، وأسس التسامح والاحترام والأخوة الإنسانية.
الإمارات، قيادة وشعباً، مؤمنة بأن مكاسب السلام لا تقارن بخسائر الصراع، وأن العلاقات بين الدول لا يجب أن تظل تدور في النقطة نفسها.. بينما الزمن يتغير والظروف والمصالح، ولأننا كذلك لم ننظر إلى خلاف سياسي أو تباين في المواقف عندما حل وباء كورونا في العالم، وتوجهت طائراتنا تحمل المساعدات الطبية والإنسانية إلى مختلف دول العالم، لذلك كله فنحن مؤمنون بأن تخطي الخلافات، والمحافظة على الحقوق سينعكسان إيجاباً على مصالح دولتنا وشعبها وأشقائها وأصدقائها، ففي عالم اليوم، وبهذه الظروف الصعبة في العالم، لا بديل عن التعاون العلمي بين الدول لمكافحة الأوبئة ومخاطر التغير المناخي، وغيرها من الكوارث المحدقة بالبشرية.
السلام بالرؤية الإماراتية ينطلق من الحكمة والاعتدال والعقلانية.. ويكفل حقوق الشعوب ويحقق مصالحها.. ولا خيار عنه سوى الدوران في ويلات النزاع والحروب والفقر، وما يتبع ذلك من إيجاد البيئات الملائمة للتطرف والإرهاب.
ومثلما كنا دائماً.. نثق بحنكة قيادتنا وبعد نظرها، ونمد أيدينا بالسلام والخير متطلعين إلى مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.