بقلم: محمد صلاح
بين القاهرة والرياض روابط لا يمكن تمزيقها ولا يحتاج الأمر إلى أدلة أو براهين، للتأكيد على مدى العلاقة بين البلدين، ويكفي صمود الدولتين في مواجهة محاولات المنصات الإعلامية القطرية والقنوات التلفزيونية التركية واللجان الإلكترونية الإخوانية، لإدراك مدى القناعة بوحدة المصير، وكذلك الإصرار على مواجهة تحديات خطيرة ومؤامرات لا تتوقف طوال السنوات الخمس الأخيرة جرت محاولات لزرع الفتن بين الطرفين، وتحريض شعبي البلدين ضد بعضهما البعض، وضرب أسافين التناقضات أو الخلافات السياسية أو الاقتصادية بين الشعبين دون جدوى. نعم تعرض التحالف (المصري السعودي) إلى مؤامرات وهجمات وحروب علنية ومستترة، من أجل تحقيق خصومة بين الرياض والقاهرة، فكانت مواقف البلدين دائماً في اتجاه مزيد من التفاهم والالتفاف وتبادل العون والدعم والمساندة. لم تكن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة ضمن جولته الحالية هي الأولى، بل الثانية من بعد مبايعته ولياً للعهد، لكن الحملة التي تعرضت لها المملكة على خلفية قضية مقتل جمال خاشقجي والتي استهدفت تماسك المجتمع السعودي، والتأثير على كيان المملكة، والنيل من وضعها المميز إقليمياً ودولياً، والأدوار التي قامت بها تركيا وقطر وجهات غربية وتجييش التنظيم الدولي للإخوان لأعضائه وعناصره، شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، من أجل خلق صورة انطباعية كاذبة لدى الناس للإساءة إلى المملكة وولي عهدها، انعكس على الأجواء التي صاحبت زيارة الأمير محمد بن سلمان للعاصمة المصرية، إذ تجاوز الموقف المصري رسمياً وشعبياً من الزيارة الود المعتاد والحفاوة الواجبة والمحبة المعروفة عن المصريين تجاه أرض الحرمين الشريفين وزعماء المملكة، ليرسل الرسالة إلى المتآمرين بأن التحالف المصري السعودي صامد ومستمر؛ بل يتجه نحو مزيد من اللُحمة.
كثيراً ما يذّكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شعبه بالدول التي ساندت مصر حين تعرضت لأزمة كبيرة عقب ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان، وخصوصاً موقف المملكة العربية السعودية، ودائماً يؤكد على أن بلاده لن تنسى أبداً من وقف معها ومن عمل على إسقاطها، ولازال المصريون يقدرون المجهود الضخم الذي بذله وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل حين سعت قطر إلى تحريض الدول الغربية لفرض حصار على مصر، عندما جال في دول أوروبية عدة لشرح التطورات التي حدثت في مصر، وإعلانه أن المملكة تساند خيارات الشعب المصري وتدعم الدولة المصرية، وتأكيده على أن السعودية ستعوض مصر عن أي ضرر مادي أو سياسي تتعرض له في المستقبل. لذلك لا تستغرب الحفاوة البالغة التي قوبل بها الأمير محمد بن سلمان في القاهرة، في ظرف وجد فيه المصريون أن عليهم رد الجميل ومساندة الشقيق ودعم الحليف.
بطبيعة الحال، استمرت محاولات الآلة الإعلامية القطرية لتخريب الزيارة والتأثير على نتائجها وتحريض عناصر الإخوان داخل مصر على محاولة جذب الأنظار بعيداً عن فعاليات الزيارة بأي صورة ودفع عناصر التنظيم خارج مصر، إلى احتلال مواقع التواصل الاجتماعي، للإيحاء بصورة مختلفة عن ما صاحب اللقاء المصري السعودي على أرض الواقع. لكن يبدو وكأن "محور الشر" اعتاد الفشل، كما أن المصريين صاروا أكثر خبرة في التعاطي مع هكذا مؤامرات، فحولوا الزيارة مناسبة لإظهار الحالة المذرية التي وصل إليها هؤلاء الذين يسعون إلى تخريب المجتمعات العربية وتمزيق نسيج الأمة ونشر الفوضى بين الناس. كان من الطبيعي أن تشمل جولة الأمير محمد بن سلمان ثلاث دول شاركت المملكة مقاطعة قطر، فالدول الأربع تواجه حرباً ضروساً من تنظيمات إرهابية على رأسها جماعة الإخوان، ومؤامرات قطرية لا تتوقف بعدما سيطر الإخوان على مفاصل الدولة هناك، إضافة بالطبع إلى الدعم المعنوي واللوجيستي الذي تقدمه تركيا التي يقودها رئيس التنظيم بالأساس إلى جماعة الإخوان إلى ذلك التنظيم الذي يعتقد أن استمرار التعاون بين العواصم العربية الأربع: الرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة يطيح بأحلام التنظيم في التمكين والقفز على مقاعد السلطة، وذلك لن تتوقف الجماعة عن محاولات تخريب مجتمعات الدول الأربع وزرع الفتن بين شعوبها والصيد في كل مياه عكرة لإحداث خلافات بين زعمائها. لكن مشاهد زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة ووقائع ما جرى فيها رسخت فشل المتآمرين وأجهضت مرة أخرى أحلام الإرهابيين وحولتها إلى كوابيس.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع