بقلم: محمد صلاح
كان المصريون كغيرهم من باقي الشعوب يتابعون قضية السفينة البريطانية التي احتجزتها إيران، ويراقبون تطوُّر الأحداث في المنطقة الملتهبة مع تزايد التصرفات الإيرانية المخالفة للقوانين الدولية، وانتظروا ردود فعل، دولية عموماً وبريطانية خصوصاً، في اتجاه التصعيد ضد إيران. لكن، وسط انشغالهم بملاحقة التطورات، باغتهم البريطانيون بقرار بوقف رحلات الطيران لشركة "بريتش إروايز" إلى القاهرة، فاعتبروا أن بريطانيا ردت على أزمتها مع إيران في الاتجاه الخاطئ وضحكوا قليلاً ثم بدأوا في تفسير القرار الغريب الذي صدر من دون توضيحات أو مبررات مقنعة.
عموماً، فتح القرار البريطاني مجالاً واسعاً للنقاش حول السياسات الغربية عموماً تجاه الدول العربية التي اتخذت موقفاً صارماً ضد إرهاب "الإخوان" وحلفاء تلك الجماعة. ومع كل حدث كبير سواء كان مبهجاً أو محزناً، تدخل مصر تحدياً وتخرج منه لتثبت أنها تجاوزت النفق المظلم، الذي أراد ما يسمى"الربيع العربي" وصانعوه أن يبقوها فيه إلى الأبد.
وعلى مدى ست سنوات، راهن "الإخوان" على فشل أي نظام حكم يأتي بعد حكم الجماعة، بينما خاض الشعب المصري تحدياً كبيراً ليدحض رهان "الإخوان" ويخسر ذلك التنظيم في كل مرة رهانه، ليبدأ في لملمة آثار الفشل والسمعة السيئة.
القرار البريطاني الأخير، جاء وسط أجواء تفاؤل عاشها المصريون، بعد نجاحهم في إنجاز دورة الأمم الإفريقية لكرة القدم، وبغض النظر عن تفاصيل أو تفاعلات البطولة التي احتضنتها مصر وانتهت الجمعة بفوز الجزائر بالكأس الإفريقية، لم تغب السياسة عن البطولة، وليس سراً أن "الإخوان" وحلفاء الجماعة في الدوحة وأنقرة وعواصم أخرى، سعوا منذ أسند الاتحاد الإفريقي تنظيم البطولة إلى مصر إلى إفسادها. ولم تتوقف المنصات الإعلامية "الإخوانية" ولجان الجماعة الإلكترونية عن الفبركة والكذب والصيد في كل ماء عكرة، لمحاولة إفشال الجهود اللوجستية التي اضطلعت بها الدولة المصرية بمختلف أجهزتها من أجل أن تخرج فعاليات البطولة بالصورة المثلى، على رغم أن الفترة الزمنية منذ إسناد تنظيم البطولة إلى مصر وافتتاحها، كانت ضيقة جداً. اعتبر المصريون هذا الأمر ميزة لهم ليثبتوا أنهم عبروا مرحلة "الإخوان" وأن كل أفعال الجماعة صارت مجرد ماضٍ لن يعود مجددا،ً وأن الحرب التي يشنها فلولها وحلفاؤها الآن، لا يمكن أن تعطّلهم عن المضي في إعادة بناء بلدهم من جديد.
لم يكن الحدث رياضياً فقط، فقدرة الدولة على استقبال عشرات الآلاف من المشجعين والمناصرين للفرق، وتجهيز الملاعب والفنادق والطرق، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في نقل الافتتاح والختام، والالتزام بتعليمات الأمن والسلامة والدقة في تأمين المباريات والتدريبات، عكست إلى أي مدى تجاوزت مصر عصر "الإخوان" وأفشلت ما أطلقته الجماعة وحلفاؤها على مدى سنوات من أكاذيب وادعاءات. وهذا ما يفسر محاولات التنظيم إحداث الفتنة بين الشعب المصري وشعوب الفرق المشاركة في البطولة بعدما عجزت الجماعة عن إفساد المنافسات أو تعطيلها.
على مدى السنوات الماضية، نجحت مصر في ترتيب أكثر من مؤتمر بمشاركة رؤساء وزعماء لدول العالم، وكذلك عقدت محافل إقليمية واحتفالات محلية لم يوقفها ضجيج "الإخوان" أو صراخ منصات الجماعة الإعلامية. وفي كل مرة، يلحظ المصريون أن "الإخوان" صاروا يعتبرون أن كل نجاح تحققه مصر على أي مستوى، هو انتقاص من الجماعة وإثبات لفشلها فزادوا من إصرارهم على تعذيب "الإخوان" وزيادة حزنهم. ذلك أن الجماعة التي روجت مع حلفائها وعناصرها وأعضائها مقولة "أن الانقلاب يترنح" و"الجماعة ستعود إلى الحكم" لم يعد أمامها إلا قذف حجارة الإعلام مع كل عمل أو نشاط أو الاحتفاء بكل تصرف أو قرار ضد مصر واستخدامه لزيادة الأذى للمصريين الذين وجدوا "الإخوان" يهللون ويرقصون على إيقاع القرار البريطاني!