بقلم: محمد صلاح
لا يستغرب المصريون التحوُّلات التي تطرأ على النخب السياسية بين الحين والآخر، والتقلبات التي تحدث لمواقف أشخاص ينتمون خصوصاً إلى اليسار أو "الناصريين"، والتحالف أحياناً مع قوى سعت كثيراً إلى القضاء على اليساريين و"الناصريين" في آن معاً. فالمصريون اعتادوا هذه الأمور ولاحظوا دائماً أن السنوات الأخيرة شهدت تقلبات خلطت المبادئ بالمصالح إلى درجة أفرزت مشهداً يضم اليساريين و"الناصريين" في صفوف "الإخوان"!.
يتذكر أبناء جيل السبعينات من القرن الماضي حجم المواجهات التي جرت بين اليساريين بكل ألوانهم الفكرية و"الناصريين" بكل أطيافهم التاريخية من جهة، وبين المحسوبين على ما عُرف وقتها بـ "التيار الإسلامي" من جهة أخرى، ولأن جماعة "الإخوان" ظلت على مدى التاريخ الوعاء الذي خرجت منه جماعات وتنظيمات وشخصيات متأسلمة راديكالية، فإن اليساريين و"الناصريين" وجدوا أن معركتهم دائماً ضدها في المقام الأول إما لأسباب عقائدية أو فكرية أو منهجية، كما الحال بالنسبة لليسار، أو تاريخية وعملية وثأرية كما الحال عند "الناصريين". وزادت حدة المواجهة بين الطرفين بعد قرار الرئيس الراحل أنور السادات إخراج رموز وأعضاء "الإخوان" من السجون، ومنح الجماعة مساحة من الحرية للحركة والتنقل والظهور في وسائل الإعلام والتعامل مع القطاعات الشعبية في أنحاء البلاد، إذ لم يكن سراً أن السادات رغب في مواجهة أعدائه أو خصومه أو منافسيه من اليساريين و"الناصريين"، باستخدام "الإخوان" ذراعاً فكرية وحركية يخفف الضغط على أذرعه الأمنية، لكن الأهم أن اليساريين و"الناصريين" عرفوا وقتها الحجم الحقيقي لقدرتهم على تحريك الشارع، أو قل ضآلة شعبيتهم مقابل القدرات التنظيمية العالية لدى "الإخوان" مالياً وشعبياً وحركياً. الغريب حقاً أن اليساريين و"الناصريين" واصلوا المواجهة على جبهتين: الأولى ضد نظام حكم السادات، خصوصاً بعد توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل وبعد استقبال شاه إيران رضا بهلوي والسماح له بالإقامة في مصر، وعلى الجانب الآخر ضد "الإخوان" وجماعات وتنظيمات متأسلمة أخرى، خصوصاً في ساحة الجامعات، إلى درجة أن من عاصروا تلك الفترة لا يمكن أن ينسوا مشاهد مطاردة طلاب "الإخوان" وفي أيديهم الكرابيج والجنازير والشوم والعصي للطلاب اليساريين و"الناصريين" إذا ما نظموا مؤتمراً أو ندوة، أو حتى وقفة أمام مجلة حائط!. نعم، لم يتوقف "الإخوان" يوماً عن التنكيل بمنافسيهم من قوى المعارضة الأخرى، ولعبوا طواعية دور ذراع السادات في إغلاق كل منفذ وسد أي مساحة يتحرك فيها اليساريون أو "الناصريون". بعض المؤرخين لم يستغربوا مشهد وقوف رموز من اليسار أو "الناصريين" خلف قادة "الإخوان" في المؤتمر الشهير، الذي عقد في فندق "فيرمونت" في ضاحية مصر الجديدة قبل الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها محمد مرسي وأحمد شفيق، لمناصرة الأول ودعمه باعتباره مرشحاً للثورة! لم تكن تلك أول أو آخر مرة ينزلق فيها اليسار إلى موقف مزرٍ، فقبلها حين اغتيل السادات على أيدي المتأسلمين الراديكاليين، ألَّف بعض شعراء اليسار أغاني وقصائد وقصصاً وحكايات تمجد ما فعله خالد الإسلامبولي وباقي زملائه من الإرهابيين، وبعدها بسنوات استخدم اليساريون و"الناصريون" المفردات ذاتها التي لا يكف "الإخوان" عن ترديدها للهجوم على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإساءة إليه! حتى أن صفحات "الإخوان" على مواقع التواصل الاجتماعي وقنواتهم التي تنفق عليها قطر وتبث من الدوحة واسطنبول ولندن، لا تتوقف عن الإشادة بمواقف هذا الناشط اليساري وذلك القطب "الناصري"، لمجرد أنها تصب في مصلحة "الإخوان"، وتتناغم مع خطط الجماعة للإبقاء على الأوضاع ساخنة في مصر. يعتقد اليساريون و"الناصريون" والساعون إلى التغيير في مصر، أن لا تغيير يمكن أن يحدث من دون استخدام الظهير الشعبي لـ "الإخوان"، لكنهم لا يدركون حجم تآكل هذا الظهير الشعبي، ولا يصدقون أن "الإخوان" إذا تمكنوا سيعيدون الكرة مجدداً، وكما حدث في كل مرة سابقة، وسينكلون بكل مَنْ يخالفهم فكرياً، وأولهم اليساريون ومعهم "الناصريون" الذين يبدو وكأنهم أدمنوا التنكيل