بقلم: محمد صلاح
لماذا يرفض المصريون دعوات الثورات التي تخرج عليهم كل فترة؟ هل صاروا على قناعة بأن لا أسباب حقيقية تدعوهم إلى الثورة، أم أنهم أدركوا أن «الإخوان» ينتظرون لحظة الانقضاض على الدولة من جديد؟ كيف تحول شعار «تحيا الثورة» الذي ظل في وجدان المصريين وأدبياتهم ومن مفردات فنونهم إلى «تحيا مصر»، بعدما صارت الثورات تصنع في الخارج وتصدّر إلى الداخل؟ أسئلة تطرح نفسها كلما حل موعد حدده أحدهم أو اختارته جماعة «الإخوان» لحض الناس على الخروج إلى الشوارع والميادين، وإعادة مشاهد الفوضى والانفلات والخراب إلى الواقع من جديد. على رغم أن غالبية المصريين من موظفي الدولة، والعاملين في القطاع الخاص، لم يندمجوا بعد في أعمالهم بعد عطلة عيد الأضحى الطويلة، إذ معروف عنهم براعتهم في إطالة أمد العطلات وربط الأسبوعية منها بالعطلات الرسمية أو ذات العلاقة بالمناسبات، إلا أنهم جميعاً يتطلعون إلى يوم غد للاستمتاع بالإجازة! فعلى رغم كون الجمعة هو يوم العطلة الرسمية الأسبوعية، إلا أن المصريين يأملون بأن تشهد البلاد هدوءاً يساعدهم أكثر على الخروج من بيوتهم والتنقل بسهولة بين شوارع العاصمة المزدحمة دائماً، فقد اعتادوا أن يأتي أي يوم يدعو فيه «الإخوان» أو النشطاء أو الثورجية الناس إلى الثورة على الحكم هادئاً فتخلو الشوارع والميادين والأحياء المزدحمة من الناس وتصبح أكثر ملاءمة لهؤلاء الذين يفضلون التجول في العاصمة.
معروف أن السفير السابق معصوم مرزوق كان دعا في بداية الشهر الجاري الناس إلى التجمع في ميدان التحرير والثورة وإعلان الغضب والبدء في تغيير الحكم الحالي! من دون أن يكترث بمصير الدعوات التي أُطلقت من قبل وروّجت لها قنوات تُبث من الدوحة ولندن وإسطنبول، و»اشتغلت» عليها لجان «الإخوان» الإلكترونية وتمخضت عن عزوف ورفض وتجاهل من جانب المصريين، الذين وإن كانت أصواتهم عالية في الاعتراض مثلاً على رفع الأسعار، أو فرض الضرائب أو تدني المرتبات، إلا أن موقفهم حازم دائماً في رفض الرهان على سلامة وأمن البلد أو عودة «الإخوان» إلى واجهة المشهد السياسي، ويتصرفون دائماً بعكس ما تطالب به كل الشخصيات والجهات التي ناصرت حكم الجماعة لمصر أو ساندت التنظيم وهيأت له المناخ لينتقم من الشعب المصري.
مرزوق الذي يقضي حالياً مع آخرين فترة حبس احتياطي على خلفية اتهامه بالتعاون مع جماعة إرهابية، لن يحضر بالطبع وقائع الثورة، لكن المفروض أن يلبي أتباعه وكل من أيّد أفكاره، وكذلك الجهات التي روّجت لدعوته وجموع «الإخوان» الدعوة، وأن يزحفوا جميعاً على ميدان التحرير على الأقل ليطالبوا بإطلاق الرجل! لكن المؤكد أن مصر تجاوزت كل مظاهر الربيع العربي وهي الآن فقط تتعامل مع آثاره وتداعياته وتعالج الخراب الذي تسبب فيه، والفوضى التي نشرها والسوقية والابتذال والبذاءة التي جعلها لغة المعارضة ولهجة النقد وأسلوب الحوار. نعم قد تكون الأجهزة الرسمية في مصر ودول أخرى وعت الدرس، وصارت أكثر حرصاً على تفادي الوقوع في أخطاء حدثت حين ضرب الربيع العربي المنطقة، فهيأت المناخ كي يصدّق الناس أكاذيب «الإخوان» وادعاءات الناشطين وفبركات المنصات الإعلامية المقرصنة! لكن الأهم أن الشعوب نفسها أصبحت في مواجهة «الإخوان» والتنظيمات والجماعات والأشخاص ذوي الارتباطات بالجهات الغربية أو هؤلاء الذين يسعون إلى السلطة على حساب أمن وسلامة المواطنين، أو حتى المعارضين الوطنيين الذين عجزوا عن ابتكار آليات أخرى غير تلك التي تبناها «الإخوان». هنا يمكن استعادة مشهد الهجوم الأخير لعناصر من تنظيم داعش على مكمن أمني في مدينة العريش الأسبوع الماضي، والذي أفضى إلى مقتل الإرهابيين الأربعة منفذي العملية، إذ لوحظ أن أحدهم وقف بعيداً ووضع مدفعاً رشاشاً فوق دراجة نارية وبدأ في إطلاق النار على الضباط والجنود فكان سهلاً اصطياده وقتله بعد تصفية الثلاثة الآخرين، اختفت سيارات الدفع الرباعي التي كانت وسيلة الإرهابيين في عملياتهم، نفد الرصيد وصار صعباً على داعميهم مدهم بالمزيد. هكذا أيضاً حال دعاة الثورات الذين ينفخون في قربة مقطوعة، كما يقول المصريون، نعم نفد رصيد الثورات وأصبحت دعوات كتلك لا تلقى إلا السخرية والتهكم والتجاهل، فالبسطاء في مصر لن «يشربوا» المقلب مرة أخرى!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع