هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ

هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ؟

هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ؟

 صوت الإمارات -

هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ

بقلم: لحسن حداد

أعطت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا في الثلاثين من يونيو (حزيران) 2024 النصر لـ«التجمع الوطني» من أقصى اليمين وبوأته المركز الأول، في حين أدت الجولة الثانية والتي جرت يوم 7 يوليو (تموز) 2024 إلى انحداره إلى الصف الثالث، وحصل تحالف اليسار (الجبهة الشعبية) على المرتبة الأولى، والوسط الماكروني (معاً) على المركز الثاني. ماذا حصل في غضون سبعة أيام؟

لقد استطاعت أحزاب اليسار والوسط خلقَ سَدٍّ منيع ضد تقدم اليمين المتطرف. هكذا انسحب مرشحو «الجبهة الشعبية» الذين حصلوا على المركز الثالث في الجولة الأولى وحثّوا من صوتوا لصالحهم للتصويت إلى الوسط الليبرالي (الماكرونيين) أو إلى مرشحين آخرين (ما عدا أقصى اليمين)، وذلك لتضييع الفرصة على مرشحي «التجمع الوطني» (أقصى اليمين) للحصول على المرتبة الأولى. فعل الماكرونيون نفس الشيء لصالح اليسار، ولكن في كثير من الأحيان لم ينسحبوا، خصوصاً حين تعلق الأمر بحزب «فرنسا الأبية» (أقصى اليسار) الذي يقوده ميلونشو.

النتيجة هي حصار متين ضد اليمين المتطرف وانتعاش حزب ماكرون بعد أن كان مرشحاً للأفول إلى الأسفل، وتبوُّء «الجبهة الشعبية» اليسارية الصف الأول. وقد كانت هذه الأخيرة ستحصل على عدد أكبر من الأصوات لو تنازل كل الماكرونيين (من المركز الثالث) لصالح مرشحي «الجبهة الشعبية» حتى وإن كانوا من «فرنسا الأبية». ومع ذلك فكل هذا يعني أن جزءاً كبيراً من الفرنسيين تعبّأ ضد خطر اكتساح أقصى اليمين للجمعية الوطنية ولقصر ماتينيون (مقر الوزارة الأولى الفرنسية). ولكن هل فعلاً تم إبعاد شبح نزعة التطرف اليميني وحلوله الحمائية والقومية لقضايا أوروبا والتقاعد والاقتصاد ومقاربته (التي ينعتها أعداؤه بالعنصرية) فيما يخص الهجرة والهوية والأمن والجنسية؟ مارين لوبان، زعيمة «التجمع الوطني»، اعتبرت ما حصل يوم السابع من يوليو فقط تأجيلاً للنصر؛ لأنه من وجهة نظرها لا أحد من الأحزاب الأخرى له القدرة على تقديم الأجوبة الشجاعة لمشاكل فرنسا.

لهذا فالحكومة المقبلة التي سيعينها ماكرون لها دور تاريخي: إما أن تتجاوب تجاوباً فعلياً وشجاعاً مع القضايا التي تؤرق الفرنسيين أو سترى بعد سنتين انتصاراً أكبر للحلول التي يقدمها أقصى اليمين. ما بين ثلاثين وأربعين في المائة صوتوا لصالح أفكار أقصى اليمين، ومن المحتمل أن ترتفع هذه النسبة في المستقبل إذا استمرت الأزمة السياسية وحالة الاستقطاب والانقسام. لا يمكن للوسط الماكروني أن يحكم وحده، ولهذا عليه بلورة حلف جديد يُمكِّنه من القيام بالإصلاحات الضرورية. الاختيار ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار أمر صعب، ولكن إذا انتصرت الواقعية على الآيديولوجيا فإن حكومة ائتلافية قد ترى النور وتقدم حلولاً حقيقية لقضايا الفرنسيين.

وعلى رأس هذه القضايا القدرة الشرائية التي تدهورت بفعل التضخم وارتفاع هامش الربح لدى الشركات الكبرى. خفْض القيمة المضافة الذي يقترحه «التجمع الوطني» غير منطقي، ولكن على الماكرونيين واليسار تقديم بدائل أكثر واقعية وأكثر جاذبية لعموم الفرنسيين. حالة الأمن واقع لا يرتفع في فرنسا، ولكن الحلول التي يقدمها «التجمع الوطني» تنبع من رؤية عنصرية (حسب خصومهم) للأمن، ولكن المقاربة تروق للفرنسيين، خصوصاً أولئك الذين يرون في لباس المهاجرين وعاداتهم نقضاً للهوية الفرنسية المفترضة، وفي وجود شباب المهجر الضائع في الفضاء العمومي مصدراً لتسيب المدن والأحياء الهامشية.

كذلك الشأن بالنسبة إلى أوروبا وقضايا السيادة: لقد نجح «التجمع الوطني» في إقناع العديد من الفرنسيين بأن «الاتحاد الأوروبي» هو ضرب للسيادة الفرنسية وقلعة لتشجيع الهجرة واتفاقيات التبادل الحر؛ لهذا فهو ينادي بإصلاح مؤسسات أوروبا وجعْل «المفوضية الأوروبية» عبارة عن سكرتارية لمجلس أوروبا، ودعم سيادة الدول وتحويل العمل المشترك إلى اتفاقيات بين دول سيادية، ووضع حد لمسلسل الاندماج على جميع المستويات.

على الأحزاب المناهِضة لـ«التجمع الوطني» تقديم بدائل حقيقية وتصورات جريئة لكيفية إصلاح مؤسسات الاتحاد للتجاوب، وسحب البساط من تحت الحلول الشعبوية التي يقدمها أقصى اليمين.

لقد تمكنت الطبقة السياسية المناهِضة لأقصى اليمين من تجاوز سيناريو تعايش مستحيل بين رئيس ليبرالي وسطي وحزب يميني متطرف، وهو ما كان ينذر بأزمة سياسية حقيقية كانت ستهز أركان الجمهورية الفرنسية الخامسة. ولكن هذا الانتصار سيبقى مؤقتاً ومن دون طعم إذا لم تُحدثْ نفس الطبقة السياسية قطيعة حقيقية مع سياسات الماضي. أفكار أقصى اليمين لم تَمُتْ ولم تندثر ولكن تم وضعها جانباً، وسوف تستفيد من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها «التجمع الوطني» خلال الحملة المتخالفة وقبلها. ولكن هذا الأخير سيرجع بقوة وجبروت إن لم يتغير شيء في حياة الفرنسيين. الكرة الآن في مرمى من انتصروا في الجولة الثانية. كل الأضواء مسلطة عليهم، والتاريخ لا يرحم من لا يلتقط إشارة آخر فرصة قبل فوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ هل نجحت فرنسا في تجاوز السيناريو الأسوأ



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات
 صوت الإمارات - بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 20:59 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 20:58 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

شرطة نيويورك تبحث عن رجل أضاع خاتم الخطوبة

GMT 09:44 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد بن سعيد يدشن " فندق ألوفت دبي ساوث " فى الامارات

GMT 23:20 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

محمد الشامسي جاهز للمشاركة مع الإمارات أمام عمان

GMT 01:40 2016 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

حمود سلطان يطالب برحيل المدرب الاماراتي مهدي علي

GMT 10:48 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

الطاولات الجانبية في الديكور لتزيين غرفة الجلوس

GMT 19:49 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيفاس سبور يكتسح قيصري سبور برباعية في الدوري التركي

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحالف معظم الكواكب لدعمك ومساعدتك في هذا الشهر

GMT 08:50 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي يقهر عجمان بثلاثية في الدوري الإماراتي

GMT 00:38 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شباب الأهلي يرغب في التعاقد مع الإكوادوري كازاريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates