بقلم - لحسن حداد
نزل الخبر كالبرق عبر ثلاث تغريدات للرئيس دونالد ترمب يوم الخميس الماضي. تقول التغريدة الأولى إن الرئيس ترمب أصدر إعلاناً يعترف فيه بـ«سيادة المغرب على الصحراء الغربية»، ولشرح ذلك يضيف أن فكرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب تبقى المقترح الوحيد «الجاد والصادق والواقعي» من أجل الوصول إلى حل يضمن «سلاماً دائماً».
قد يتساءل البعض: لماذا استعمل ترمب آلية الإعلان وليس الأمر التنفيذي؟
يجيب المحلل السياسي الدكتور سمير بنيس من واشنطن (في حديث خاص مع الكاتب) بأنه حسب لجنة العمليات الحكومية بمجلس النواب فإن «الأوامر التنفيذية والإعلانات هي توجيهات أو إجراءات تصدر عن الرئيس. وحينما يعتمدها الرئيس بناءً على سلطته المستمَدة من الدستور أو النظام الأساسي، قد يكون لها قوة وتأثير القانون». هذا ما يتعلق بالقوة القانونية للقرار.
أشادت التغريدة الثانية بكون المغرب وإسرائيل، اللذين يعدهما ترمب «صديقين كبيرين»، وافقا على وضع الأسس لـ«علاقات دبلوماسية» وأنّ هذا يشكل انتصاراً كبيراً للسلام في الشرق الأوسط.
إذا كانت إسرائيل حليفاً استراتيجياً فوق العادة للولايات المتحدة، فإن التغريدة الثالثة تشرح لماذا يعد ترمب المغرب بلداً صديقاً وحليفاً: «المغرب اعترف بالولايات المتحدة سنة 1777، ولذلك فمن الطبيعي أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية». ما لم يضفه ترمب أن المغرب كان أول بلد يعترف بالولايات المتحدة في وقت كانت بلداً فتياً يقاوم جيوش دول عظمى مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وهو أمر تعرفه النخبة السياسية في الولايات المتحدة ووتر حساس في علاقات الولايات المتحدة التاريخية مع المغرب. هذا التقعيد التاريخي أعطى للقرار بُعداً يتجاوز الآنيّة والمنهجية «المقايضاتية» التي يعتمدها الرئيس ترمب في هكذا قرارات.
الأهم من ذلك هو أن نص البيان الذي أصدره ترمب أكد مصداقية مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب، وأن «دولة مستقلة في الصحراء الغربية ليست حلاً واقعياً، وأن حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد» للخلاف. هذا مُعطى تعرفه الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدائمين، ولكن الرئيس ترمب هو الوحيد الذي كانت له الشجاعة الكافية للجهر بالحقيقة التي يُبطِنُها الآخرون. إذ حَسَمَ في مسألة السيادة بالاعتراف الرسمي بسيادة المغرب والإعلان عن «فتح قنصلية في الداخلة بالصحراء لتنمية فرص الاقتصاد والأعمال في المنطقة».
من الجانب المغربي، أصدر القصر الملكي بالرباط بيانين في يوم واحد (10 ديسمبر/ كانون الأول 2020) لهما دلالة دقيقة. البيان الأول حول مكالمة الملك محمد السادس مع الرئيس ترمب والذي أكد فيه أن الاعتراف بالسيادة هو ثمرة جهود استمرت لسنوات. العائق الذي كان يَحول دون التعجيل بهذا الأمر هو السيناتور جيم أينهوف، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، والمعروف بمساندته القوية لجبهة البوليساريو. الخلاف الذي طرأ بين السيناتور أينهوف وترمب حول أحد بنود قانون الدفاع حرَّر هذا الأخير للمضي قُدُماً في تنفيذ الاتفاق مع المغرب. هذا ما تأكد في الرد القوي ضد قرار ترمب الذي قام به أينهوف (انظر ماريان لفين، «أينهوف ينتقد بقوة سياسة إدارة ترمب حول الصحراء الغربية»، «بوليتيكو»، 12 ديسمبر 2020).
تحدث بيان القصر الملكي عن جهود حثيثة لمدة طويلة ودور جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب ومستشاره، وهو ما يؤكد ما صدر من بُعد عن وجود صراع قوي بين أينهوف، صديق الجزائر، الذي كان ضد الاعتراف، وكوشنر ومجموعة من المساندين.
في مقال لباراك رافيد («الجفاء بين ترامب وسيناتور أميركي جعل الاتفاق بين المغرب وإسرائيل ممكناً»، «أكسيوس»، 12 ديسمبر 2020)، تحدث الكاتب عن ثلاث سنوات من الأخذ والرد شارك فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى جانب كوشنر، المبعوث الخاص أفي بركوفيتز، ومسؤول أمني إسرائيلي سابق رام بنباراك، ورجل أعمال يهودي مغربي ياريف الباز، والمبعوث الخاص السابق جيسون غرينبلات، بالإضافة إلى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ومستشاري بنيامين نتنياهو في الأمن القومي. ووفق المقال ذاته فإن التوصل إلى اتفاق حصل قبل أكثر من سنة ولكن جون بولتون مستشار الأمن القومي، والسيناتور أينهوف عارضاه بقوة. هذا إذن مدلول الجهود الحثيثة لمدة سنوات التي تحدث عنها البيان الملكي.
ما يعنيه هو أن هذا القرار لم يأتِ اعتباطاً ولكنه ثمرة جهود متواصلة لمدة سنوات وأتى في هذا الوقت (أي أربعين يوماً قبل مغادرة ترمب البيت الأبيض) للأسباب الموضوعية سالفة الذكر. بل من وجهة نظر أعمق فإنه أتى ليكرس مسلسلاً رأى فيه جُلّ الرؤساء من بوش الابن إلى باراك أوباما إلى ترمب ومعهم مئات من النواب والشيوخ من الغرفتين، المقترح المغربي «واقعياً وصادقاً» وكفيلاً بضمان سلام دائم في الصحراء. بل إن الكونغرس أصدر قراراً وقّعه الرئيس أوباما في 2014 يقضي بتوسيع المساعدات الأميركية للمغرب على سكان الصحراء، وهو القرار الذي ما زال ساري المفعول حتى الآن. وسيتوج بفتح قنصلية في الداخلة لدعم الفرص الاقتصادية في المنطقة، كما أكد ذلك بيان الديوان الملكي المغربي.
على مستوى إعادة العلاقات مع إسرائيل فإن الجانب المغربي وضع العديد من الاحتياطات: أولاً، نتنياهو لم يكن طرفاً في المكالمة الهاتفية بين العاهل المغربي والرئيس الأميركي، ولم يكن متفقاً على بعض مضامين البيانات الصادرة (وهذا كان سبباً لانزعاجه، حسب باراك رافيد «المقال أعلاه»). ثانياً، الجانب المغربي أكد أنه لا محيد عن حل الدولتين والطابع الخاص للقدس وكذا عن استعداد المغرب لفتح الأجواء في وجه اليهود المغاربة للسفر من إسرائيل مباشرةً إلى المغرب وكذا فتح قنوات الحوار (عبر مكاتب الاتصال) للتعاون مع الجانب الإسرائيلي على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي (بيان القصر الملكي). إعادة ربط العلاقات بشكل متدرج وحَذِر كأنها مشروطة بالتقدم في الحوار بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو ما أكده الملك محمد السادس لمحمود عباس في نفس اليوم (البيان الثاني للقصر الملكي، 10 ديسمبر). عكس ما يقوله البعض، لم تتم التضحية بالقضية الفلسطينية بل إن العاهل المغربي أكد أنها في مصافّ قضية المغرب الأولى، أي قضية الصحراء (المصدر نفسه).
إنني أعتقد جازماً أنها فرصة لا تعوَّض: المغرب وحده القادرُ على التأثير على الفلسطينيين (بحكم رئاسة ملك المغرب للجنة القدس)، وعلى الإسرائيليين، بحكم وجود أكثر من مليون يهودي مغربي في إسرائيل لهم علاقات وطيدة مع بلدهم الأصلي، لتقريب وجهات النظر وتحقيق ما لم يتحقق من قبل: سلام دائم في إطار حل الدولتين، واحترام الوضع الخاص للقدس كمكان مقدس بالنسبة إلى الديانات السماوية الثلاث.