المغرب والهجرة ريادة وتحديات

المغرب والهجرة: ريادة وتحديات

المغرب والهجرة: ريادة وتحديات

 صوت الإمارات -

المغرب والهجرة ريادة وتحديات

بقلم: لحسن حداد

يتميز المغرب بكونه بلدَ استقبالٍ وعبورٍ للمهاجرين بالإضافة إلى كونه مصدراً للهجرة النظامية وغير الشرعية، خصوصاً إلى أوروبا. هنا تكْمُن أهمية الهجرة كلازمةٍ أساسية في علاقات المملكة مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وكذا مع دول الاتحاد الأوروبي. تدبيرُ الهجرة يتطلب فهماً جيداً ودقيقاً لتعقيداتها وتطوراتها في نسقٍ جهوي وإقليمي عام، يتميز بتحولات سوسيوسياسية وأمنية ومناخية تعرفها منطقة الساحل والصحراء، وكذا تطورات آيديولوجية وسياسية تمر منها جُلُّ دول أوروبا، خصوصاً ما يتعلق منها بمسائل اللجوء والهجرة وسياسة حسن الجوار مع دول الجنوب.

أقرَّ دستور 2011 أن المغرب دولةٌ متعددةُ الثقافات حين أوْرَدَ على مستوى الدِّيباجة بأن المملكةَ المغربيةَ متشبعةٌ بـ«تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية»، وهو ما يعني أنه بلدُ هجرةٍ بامتياز، بل إن موجات الهجرة المتعددة هي ما يعطي لهذا البلد تَفَرُّدَه وغناه الثقافي وتنوعه وميلَ مواطنيه نحو التعايش الثقافي والتسامح الديني والتسامح العرقي والإثني.
المغرب بلدٌ أفريقي حتى النخاع وموجاتُ الهجرة من الجنوب إلى الشمال حدثت على مَرِّ ستة قرون في عهد المرابطين والسعديين والعلويين. غير أن موجة الهجرة الجديدة وقعت في العقود الأخيرة وهمَّت جموعُ الأفارقة الوافدين من جنوب الصحراء، خصوصاً من بلدان ناطقة بالفرنسية، ولكن حتى من بلدان أخرى، والذين اختاروا «الإقامة» في المغرب فتمت تسوية وضعيتهم في إطار سياسة إدماج تبناها المغرب بريادة من الملك محمد السادس منذ 2013. المقاربةُ متعددةُ الأوجُهِ ولها بُعْدٌ إنساني وحقوقي، ولكن الإرجاعَ إلى البلد الأصلي بشراكة مع الدول التي يهمها الأمر هو كذلك أمرٌ وارد. كلُّ من تمت تسوية وضعيتهم يمارسون نشاطهم الاقتصادي والمهني عبر ربوع المغرب ويساهمون في بنائه، كما أن تحويلاتهم نحو عائلاتهم وذويهم تساهم في اقتصاد بلدانهم الأصلية. هذه هي إيجابيات الهجرة التي لا يفهمها الكثير في أوروبا، خصوصاً من يروقهم الدفاع عن وطن متخيَّل يتميز بنقاوة إثنية فانتازية.
الوجه القبيح للهجرة هي مافيات وشبكات تهريب البشر وقوارب الموت وعبور غابات الاستواء وصحاري الساحل وليبيا والجزائر. نعم هي «استثمار» عائلي ضخم قد يبلغ الآلاف من الدولارات لأداء ثمن العبور لشبكات منظمة تحميها عناصر إرهابية أو متخصصة في الجريمة العابرة للحدود. والهجرة هي نتيجةٌ لانسداد الأفق في مناطق أفقرتها التحولات المناخية والتصحر وتدهور مصادر العيش التقليدية ومخلفات الاستعمار وسنوات الجفاف المتتالية وفساد النخب السياسية والمحلية والصراعات الإثنية والمحلية وهجومات الجماعات المسلحة.
الهجرة من دول جنوب الصحراء هي نتيجة تضافر الطلب على الهجرة من طرف الأشخاص والعائلات، أو العوامل الدافعة، وعروض الهجرة المتمثلة في وجود شبكات ووسطاء وسماسرة ومؤطرين لهم معرفة دقيقة بِدُوَلِ العبور والمتعاونين داخلها، أي العوامل الجاذبة. تفاعل هذه العوامل يجعل الهجرة إلى الشمال، خصوصاً أوروبا، وحتى إلى دول مثل المغرب، صبيباً لا ينضب. مع فصل الصيف، يزداد الضغط حيث البحار أقلُّ هيجاناً والطقس سانحٌ للتنقل عبر التضاريس الوعْرة وشديدة البرودة أو الحرارة.
يعرف تنظيم الهجرة السرية من طرف شبكات متخصصة تحولات عميقة، حيث انتقل من تنظيم العبور عبر الصحراء وليبيا والجزائر وتنظيم هجومات غير مسلحة على السياجات الحديدية المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية، المدينتين المغربيتين المحتلتين من طرف إسبانيا، إلى تنظيمٍ محكمٍ واستعمال أكثر للسلاح الأبيض وقيادة أكثر «حِنكةً» من طرف عناصرَ مدربةٍ على القتال.
منذ 2016، واجهت قوات الحدود المغربية ما مجموعه 145 هجوماً على سبتة ومليلية ولكنها لم تكن بنفس القوة والقتالية التي وقعت يوم 24 يونيو (حزيران) 2022 حين هاجم حوالي ألفي شخص، مؤطرين بعناصر مدربة ومدججة بالأسلحة البيضاء، نقطةَ العبور بين مدينتي الناظور ومليلية، وحاولوا المرور بالقوة من منطقة عبور الراجلين مما أدى إلى تدافعٍ وازدحامٍ شديدين وسقوط 23 قتيلاً وجرح 78 في صفوف المهاجرين؛ كما أدى إلى جرح حوالي 140 في صفوف قوات الأمن المغربية.
هذا التحول من محاولات عبور منظمة ولكن «شبه سلمية» إلى محاولات منظمة تنظيماً محكماً ومعززة بالسلاح ينذر بتحول فيمن يؤطر عمليات الهجرة السرية وربما دخول عناصر مدربة على الجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود ميدانَ تنظيم العبور غير القانوني والعنيف إلى أوروبا. لذلك على كل الدول تَحَمُّل مسؤولياتها وعدم اللعب بالنار وعدم استعمال الهجرة السرية لأغراض سياسية وجيواستراتيجية. لا يمكن لأي بلد أن يساعد المهاجرين في التنقل إلى بلدان مجاورة وأن يُسَهِّل عملية عبورهم عبر الحدود لأن هذا منافٍ للأعراف الدولية والقانون الدولي الخاص بالهجرة.
الجهود التي تقوم بها المملكة المغربية والمتمثلة في تحمل مسؤوليتها فيما يخص كبح تدفق المهاجرين السريين أتت بنتائج معروفة: تفكيك حوالي 1300 شبكة للهجرة السرية خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، 256 في 2021، و100 في 2022، والحيلولة دون عبور حوالي 360 ألف مهاجر سري، 63 ألفاً في 2021 و26 ألفا حتى مايو (أيار) 2022. يستعمل المغرب إمكانياته الخاصة؛ أمّا المساعدات التي يقدمها له الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة لا تُمثِّل إلا جزءاً يسيراً مما يحتاجه من معدات وموارد بشرية وتكوين ولوجستيك ومراكز للرصد والمراقبة وغيرها. يُمَثِّل الأمر تحدياً كبيراً، خاصة أن حرس الحدود وقوات الأمن عليهما رصد تحركات القادمين إلى المغرب والمغادرين له على طول 3500 كلم على البحر و3400 كلم على حدوده البرية. هذا تحدٍّ يرفعه المغرب وتعاونه مع الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار هو نتيجة شراكة وتعاون مشترك وليس وليدَ أيِّ نوع من التفويض، كما تقول بعض وسائل الإعلام الإسبانية.
لكن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية. فتعزيز الهجرة القانونية والمفيدة للطرفين، وتبسيط إجراءات التأشيرات للمهنيين ورجال الأعمال والطلبة والعمال الموسميين من الدول الأفريقية إلى أوروبا، فضلاً على التنمية المستدامة والناجعة لبلدان المصدر، من خلال برامج للمساعدة الدولية الفعالة، وخلق منطقة شاسعة للنمو والازدهار حول البحر الأبيض المتوسط وفي شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، هي مداخل أكيدة لتدبير حقيقي وبعيد المدى لقضايا الهجرة.
لذلك فقد حان الوقت لإعادة التفكير في الشراكات وسياسات الجوار للعمل من أجل نهج أكثر استدامة ومفيدٍ للطرفين، أوروبا وأفريقيا. نَهْجٌ جديد للهجرة يحمي الحدود والسيادة الوطنية ومع ذلك يفتح الأبواب بشكل معقول أمام حركة قانونية ومستدامة للأشخاص بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. الرخاء المشترك هو مفتاح هذا النموذج الجديد لسياسة الجوار بين أوروبا وشركائها الجنوبيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب والهجرة ريادة وتحديات المغرب والهجرة ريادة وتحديات



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates