الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع
آخر تحديث 03:46:18 بتوقيت أبوظبي
الأحد 9 آذار / مارس 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع

الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع

 صوت الإمارات -

الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع

بقلم - لحسن حداد

 

لا أحد يجادل في أن النموذج الاقتصادي الحالي قد فشل فشلاً ذريعاً في خلق اقتصاد عالمي يسوده الازدهار والرخاء واستدامة الموارد والإنصاف داخل المجتمعات وبين الدول في مختلف أنحاء المعمورة. هكذا فالنظام الرأسمالي الحالي لم يخلق تفاوتات اجتماعية كبرى داخل المجتمع الواحد فحسب، ولكنه خلق تفاوتات أكبر بين دول الشمال ودول الجنوب.

ليس هذا فحسب؟ ولكن الاعتماد على النمو من دون الاكتراث بتأثيره الإيجابي على الحياة جعل الحكومات تقيس نجاحاتها بمعدلات النمو ولو كان على حساب التدهور البيئي والاستغلال الفاحش للموارد. الاهتمام بالنمو من دون قياس معدل إحساس المجتمعات بالرخاء والعيش الكريم جعل هدْر الموارد من دون جدوى اجتماعية حقيقية.

ولخلق هذا النمو المنشود مهما كلف الثمن، فإن عجلة الاقتصاد أصبحت ملتصقة بشكل معقد بضرورة حث المستهلكين على الاستهلاك بشكل أكثر، لما يحتاجونه وما لا يحتاجونه. بل وتكفلت مدارس ومعاهد وشركات الماركتينغ وسلوك المستهلك بإخراج وتوضيب وصقل وتجريب التقنيات والمناهج التي تصنع حاجيات ورغبات جديدة لدى الزبائن، وتؤسس لديهم ثقافة الموضة المتحولة، والماركة الجديدة، والموديل المثالي، والجمال النموذجي، وغيرها من الأحلام الفانتازية التي تجعلهم يستهلكون أكثر، وينتظرون صدور النسخ الجديدة بفارغ الصبر.

المشكل مع الاستهلاك المفرط هو أن الموارد تتضاءل وليست لا متناهية، ويتم استعمال كثير منها لتلبية حاجيات مختلَقة ومفبرَكة من طرف منظومة الموضة ومؤسسات الماركتينغ وآليات التجميل والأجهزة الإلكترونية المتجددة باستمرار، وليس لتلبية حاجيات أساسية، مثل التغذية المتوازنة، ومحاربة الجوع، والوقاية من الأمراض، والولوج إلى المدارس، وتثمين التراث المادي واللامادي، والمحافظة على ثقافة التضامن والتعاضد المحلية...

بل زاد تطور طبقات متوسطة في دول الجنوب، وسيطرة ثقافة الاستهلاك، من السباق نحو استعمال الموارد لاقتناء الكماليات تحت ضغط اجتماعي وانسياق قسري نحو الموضة، والجديد في الأجهزة، ومواد التجميل واللباس، والسيارات، والمجوهرات، وغيرها.

إذا استمرت الحكومات في استهداف النمو مهما كلف الأمر، واستمرت آليات الرأسمالية في تشجيع الزبائن على الاستهلاك المفرط، فإن الموارد ستندثر من دون أن تلبي الحاجيات الأساسية لسكان العالم. بل إن التدهور البيئي الناتج عن استغلال الموارد بطرق غير مستدامة سيؤدي إلى انهيارات متتالية في المنظومة، تُضاف إلى آثار التحولات المناخية التي أجهزت على مصادر العيش في كثير من مناطق العالم. وهذا يعني أن الاستهلاك بوصفه أساساً للنموذج الاقتصادي الحالي هو نظام غير مستدام، وقد يتسبب في انهيار النظام والأمن جراء تنامي الحروب والنزاعات حول الموارد التي بدأت تندثر شيئاً فشيئاً.

هكذا فنحن في أمسّ الحاجة إلى نظام لا يعتمد على النمو بأي ثمن، بل إلى نظام ينبني على أسس إحساس الأفراد بالأمن والطمأنينة، وصحة جيدة، والاستكانة إلى الذات والمجموعة الثقافية المحلية والطبيعة، وإلى الإحساس بالاكتفاء بما يلبي الحاجيات الأساسية.

تستند الرأسمالية الحديثة إلى الفرضية الخاطئة بأن الرغبات لا تُشْبَع، وأن الموارد اللازمة لتلبية هذه الشهوة (الخيالية) لا تنتهي كما قال تيم جاكسون في كتابه «الازدهار من دون نمو» (2009).

أظن أنه من الأنسب ابتكار مؤشر خاص بالنمو المتأتي من استعمال الموارد المتجددة، بينما يتم اعتماد مؤشر آخر خاص بالنمو المعتمِد على موارد غير مستدامة. وكلما كان المؤشر الأول مرتفعاً فإن النمو مستدام. وكلما تبين أن النمو يكون على حساب استعمال لموارد ملوِّثة وغير قابلة للتجدد فإنه نمو غير مستدام. الثروة ومناصب الشغل التي يخلقها النمو يجب أن تكون على أساس استعمال موارد قابلة للتجدد، وإلا فإنها نجاحات على حساب المستقبل.

ولكن النمو المستدام وحده غير كاف لتحقيق الإحساس بالازدهار! فالسعادة ليست أمراً مادياً فحسب. إنها تنهل من منظومات تتعلق بالإحساس بالانتماء، وثقافة التضامن والقيام بأمور ليست فيها مصلحة مادية أو اجتماعية...

اعتماد مؤشر النمو المستدام، وابتكار آليات لاحتساب الشروط المادية للحياة الكريمة، وكذا الأعمال التي يقوم بها الأفراد، والتي ليست لها صبغة نفعية أو ربحية، ولكن لها مدلول ثقافي ومجتمعي معين ومهم للأفراد والجماعات، ستعطينا صورة مركبة حول الازدهار بمفهومه العميق والمستدام، الذي هو الهدف الحقيقي للنمو، والسبيل الوحيد لحماية الحياة فوق الأرض من الاندثار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع الاستهلاك المفرط والنمو المتسارع



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - صوت الإمارات
احتفلت الملكة أحلام قبيل ليلة عيد الحب بعيد ميلادها في أجواء من الفخامة التي تعكس عشقها للمجوهرات الفاخرة، باحتفال رومانسي مع زوجها مبارك الهاجري، ولفتت الأنظار كعادتها باطلالاتها اللامعة، التي اتسمت بنفس الطابع الفاخر الذي عودتها عليه، بنكهة تراثية ومحتشمة، دون أن تترك بصمتها المعاصرة، لتتوهج كعادتها بتنسيق استثنائي لم يفشل في حصد الإعجاب، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك دعونا نفتش معا في خزانة المطربة العاشقة للأناقة الملكية أحلام، لنستلهم من إطلالاتها الوقورة ما يناسب الأجواء الرمضانية، تزامنا مع احتفالها بعيد ميلادها الـ57. أحلام تتألق بإطلالة لامعة في عيد ميلادها تباهت الملكة أحلام في سهرة عيد ميلادها التي تسبق عيد الحب باحتفال رومانسي يوحي بالفخامة برفقة زوجها مبارك الهاجري، وظهرت أحلام بأناقتها المعتادة في ذلك ا�...المزيد

GMT 06:13 2018 الإثنين ,30 إبريل / نيسان

تعرف على مواصفات سيارة فورد فوكوس الجديدة

GMT 19:01 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

قالب الخضار السوتيه باللحم و البشاميل

GMT 17:31 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ستيفن كينج "ملك الرعب" نجم الأكثر مبيعًا في أميركا

GMT 02:06 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيع "حقائق القرآن" لـ رجائى عطية بمكتبة القاهرة الكبرى

GMT 12:29 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

خبير تجميل يكشف عن آخر صيحات الموضة لألوان "الميك أب"

GMT 13:42 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

سوار "Juste Un Clou" من كارتييه لإطلالة مميزة

GMT 13:27 2014 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

"فايبر" تضيف قسمًا جديدًا للألعاب الرقمية عبر الإنترنت

GMT 14:41 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

بلدية مدينة الشارقة تفتتح حديقة الزبير العامة

GMT 22:38 2013 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

"FIFA 14" تُضيف بيل بقميص ريال مدريد

GMT 03:31 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

طارق الشناوي يرفض العُري التي تظهر في الأعمال الدرامية

GMT 00:32 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

الإعلان عن لعبة الأكشن Star Wars 1313
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates