وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا» وجهة نظر نقدية

وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا»... وجهة نظر نقدية

وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا»... وجهة نظر نقدية

 صوت الإمارات -

وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا» وجهة نظر نقدية

لحسن حداد
بقلم - لحسن حداد

استجابة لطلب من مجلس النواب المغربي، أنجز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب، أخيراً، دراسة حول «الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس (كورونا)، (كوفيد- 19)، والسبل الممكنة لتجاوزها».

الدراسة عبارة عن عرض مفصل للوضعية الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تسبب فيها الوباء بالمغرب، وللإجراءات الواجب اتخاذها من أجل تجاوز الأزمة. إنها محاولة محمودة للتعاطي مع الوباء وآثاره من كل الجوانب، رغم عدم وجود أطروحة منظِّمة أو رؤية منهجية أو حتى ترابط بين فصولها، ورغم الكم الهائل من التوصيات التي تناثرت داخلها، مما هو إجرائي ومما هو استراتيجي، من دون تمحيص وتركيب وتوليف من أجل التقعيد لطروحات مركزة وناجعة، نوعية لا كمية، للخروج من الأزمة، ودون تركيزٍ على إجراءات تحدث قطائع حقيقية في السياسات العمومية، بدل محاولة سرد كل الإجراءات الممكنة.
ومع ذلك، تبقى الدراسة محاولة لا بأس بها لتحليل قضايا أساسية يجب أن تشكل محور النقاش العمومي، في انتظار انتهاء لجنة النموذج التنموي من عملها مَطْلَعَ السنة المقبلة. نعم، قد يلاحظ القارئ مثلاً الحديث عن ضرورة التركيز على الصحة الوقائية بدل الصحة العلاجية أو هما معاً، من دون أن تبين الدراسة كيف سيتم ذلك بطريقة موضوعية وإجرائية. ويتم القول بوجوب الرجوع إلى «دولة الرفاه»، ومع ذلك يتم وضع إجراءات تتعلق بإعادة رسملة المقاولات، والتي تقتضي إعفاءات ضريبية لا تحتملها واجبات إعادة توزيع الثروة والتغطية الاجتماعية التي تقولبها مقولة «دولة الرفاه». إضافة إلى ملاحظات أخرى لا تنقص من قيمة هذه الدراسة التي هي محاولة قابلة للتجويد، للجواب على تحديات المغرب الراهنة والمستقبلية.
إن ما هو إيجابي في هذه الدراسة، هو أنها فتحت الباب لطرح القضايا الملحة فيما يخص النموذج التنموي المنشود. بعض الإجراءات المفيدة التي أتت بها الدراسة تتمثل فيما سمته «الصحة الواحدة»، رغم عدم التفصيل فيما يقتضيه هذا المفهوم من تغيير في السياسات العمومية الخاصة بالصحة. إحداث صندوق خاص بالأوبئة فكرة جيدة، ولكن الدراسة لم توضح كيف سيكون مختلفاً عن «صندوق التعويض عن الكوارث الطبيعية».
التأكيد على تراتبية التدخل، وتبني مقاربة الطبيب «المُحيل» والمسارات المُنسِقة للتدخل، كلها أمور ضرورية لتحسين عمل المنظومة الصحية، ولكن من دون تحسن في أداء صحة القرب والتأطير المحلي للتدخل، وكذا وضع نظام متطور لتتبع المرضى والنساء الحوامل وضحايا العنف والحوادث، ممركز على مستوى الأقاليم تُسَيِّره أطقم متخصصة، وله علاقة بالمستشفيات الجامعية، لن يُرجع مسار العلاج إلى وضعه الطبيعي. ومع ذلك، فتحسين حكامة القطاع نالت حظاً وافراً من الإجراءات الإيجابية والدقيقة، وهي من أقوى الإجراءات التي أتت بها الدراسة، مثلها مثل الشق الخاص بتدبير الموارد البشرية الصحية.
على مستوى التعليم، تبدو الإجراءات معقولة، ولكنها لم تأتِ بجديد سوى التأكيد على التحسين والمرونة وتقوية التعليم عن بعد.
على مستوى آخر، فإن إجراءات رقمنة الخدمات عديدة ومهمة، ولكنها بقيت مُغرقة في العموميات. هذا في وقت اقتصر فيه إشراك الفاعلين على المشاركة التقليدية، ولم يتبنَّ المشاركة المواطناتية التي تقول بها منظمات دولية لجعل التنمية لصيقة بالطلب، وبمشاركة المواطن في تدبيرها وتتبع إنجازها. وظلت الإجراءات المتعلقة بمجتمع المعرفة منحصرة في تعزيز دور العلوم الإنسانية في ترشيد الهندسة المجتمعية، من دون شرح لما تعنيه الدراسة بهذه المقولة.
وفيما يخص إدماج القطاع غير المهيكل، اعتمدت الدراسة فقط الإجراءات الجبائية والمالية والقانونية؛ غير أن المدخل الذي اعتمدته الحكومة بدعم من البرلمان، هو التغطية الاجتماعية عبر مساهمات تكميلية ملتصقة بالمساهمة المهنية الموحدة، والتي أخذت مكان الضريبة الجزافية.
على المستوى الاقتصادي، جرى التأكيد على أن يصوِّت البرلمان على خطة إنعاش الاقتصاد التي خُصِّص لها مبلغ 120 مليار درهم (12 مليار دولار)، غير أن 75 مليار درهم (7.5 مليار دولار) من هذا المبلغ هي عبارة عن ضمانات قروض لا تحتاج لموافقة البرلمان، و30 مليار درهم (3 مليارات دولار) هي مساهمات مستقبلية للقطاع الخاص في تمويل صندوق محمد السادس للاستثمار، وما بقي هو 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار) سيصوِّت عليها البرلمان في إطار قانون المالية الحالي.
من جانب آخر، ركزت الإجراءات المتعلقة باستبدال التصنيع بالاستيراد على التحفيزات الضريبية والمالية والدعم التقني، بينما يكمن النقص في دعم تحويل المواد الأولية، ودعم آليات الإنتاج الصناعي، وتذليل عقبات العقار والتمويل والعراقيل الإدارية. أضف إلى هذا أن دعم رسملة المقاولات للتخفيف من الاعتماد على القروض لم يكن دقيقاً، ولم يتطرق إلى إعادة تقييم الأصول الثابتة، وإعفاء تحويل الأرباح إلى رأسمال، وتسنيد القروض والمساهمات النقدية والعينية.
إن الدعم الذي تقدمه الدولة حالياً لضمان القروض - مثلاً - يتضمن شرط 7 في المائة على الأكثر كنسبة للقروض مقارنة مع الرأسمال، وهذا أمر سهل بالنسبة للمقاولات المستورِدة، ولكنه صعْبٌ بالنسبة للمقاولات الصناعية التي استهلكت رأسمالها لمواجهة إغراق السوق ببضائع تركية وصينية. وبالتالي، فالدعم تستفيد منه أكثر المقاولات المستورِدة، وهو دعم يؤدي إلى خلق الشغل خارج المغرب وليس داخله.
غياب الخيط الناظم والأطروحة المنسقة لهذا الكم الهائل من الإجراءات المتفاوتة الأهمية وذات الأشكال المتعددة، جعلت الدراسة - على أهميتها - فضفاضة أحياناً ومركزة أحياناً أخرى، دقيقة هنا ومتسمة بالعمومية هناك.
تمت الإشارة إلى النقاش حول العولمة والسيادة التكنولوجية والأفضلية الوطنية ودعم الصناعة المحلية، ولكن هذا لم تأتِ به الدراسة في إطار تصور مستقبلي عماده دعم تنافسية الاقتصاد (والتي تمر كذلك عبر دعم الاستهلاك المحلي لما هو منتَج محلياً) ليلعب دوراً أقوى في العولمة. في الوقت نفسه، تم التفصيل في حكامة قطاع الصحة بإجراءات مهمة، ولكن الحكامة عطبٌ بنيوي موجود على كل المستويات، وعلى لجنة النموذج التنموي أن تجعله مدخلاً أساساً لخلق قطائع حقيقية مع مقاربات الماضي.
غير أن السؤال العريض والمركزي الذي غاب عن الدراسة، والذي طرحه تقرير البنك الدولي «المغرب في أفق 2040- الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي» في 2018، هو: كيف للاقتصاد المغربي أن يحقق نمواً يصل إلى 6 أو 7 في المائة (النسبة الكفيلة بالقضاء على الفقر والبطالة وهشاشة الطبقة المتوسطة) فقط عبر الاعتماد على الرأسمال القار، علماً بأن هذا يشكل فقط 5.5 في المائة من الناتج الداخلي، وعليه أن يصل إلى 50 في المائة لتحقيق النمو المنشود، وهو شيء مستحيل في ظل وجود معدل ادخار لا يتعدى 30 في المائة. ويبقى البديل هنا هو فتح سوق الشغل، ليصل إلى أكثر من 56 في المائة (عوض 46 في المائة حالياً؛ 23 في المائة فقط على مستوى النساء) والاستثمار في الرأسمال المؤسساتي والاجتماعي واللامادي. وهما إجراءان كفيلان برفع النمو بنقطتين، ولكنهما يتطلبان استراتيجيات فعالة وناجعة بعيدة المدى.
مع الأسف، لم تتطرق الدراسة لهذين المدخلين الأساسين لتحقيق الطفرة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. نتمنى أن تتدارك لجنة النموذج التنموي ذلك في تقريرها المنتظر بعد حوالي شهرين من الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا» وجهة نظر نقدية وصفة الإقلاع في المغرب بعد «كورونا» وجهة نظر نقدية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates