بقلم : منى بوسمرة
صدى الفرحة يملأ المسافة بين الأرض والمريخ، وحجم الفخر يطاول عنان السماء، واسم الإمارات يلوّن الفضاء، وهدير صاروخ مسبار الأمل أبلغ العالم بصوت في غاية الوضوح، أن العرب عادوا إلى تنافسية العلوم، وأنهم يدخلون إلى نطاق ومدار غابوا عنه طويلاً حتى أعادتهم إليه الإمارات، أما استقبال أول إشارة من المسبار في محطة المراقبة والتحكم الأرضية في دبي بعد ساعة من الانطلاق، فهو البلاغ العربي رقم واحد القادم من الفضاء بتوقيع الإمارات، بالعودة إلى العصر الذهبي للاكتشافات العربية والإسلامية.
قبل ست سنوات كان هذا الأمر يبدو ضرباً من الخيال، أما اليوم فهو حقيقة أدهشت العالم، وما سيل التقارير الإعلامية العالمية إلا شهادة عالمية وتقدير دولي للرؤية التي حملت هذا المشروع حتى تجسد مسباراً في فضاء الكون وفضاء المعرفة. وكما قال خليفة بن زايد، وهو يهنئ شعب الإمارات بهذا الإنجاز الوطني والعربي والعالمي، فإن الإيمان بالكفاءات الوطنية والاستثمار بالعلم وطاقات الشباب هو ما يصنع مستقبلنا، ويتيح لنا أن نضع بصمتنا في مسيرة الحضارة الإنسانية.
ومن نفس الرؤية أكد محمد بن راشد دور شباب الوطن الذين رفعوا الرأس، وهو الذي طالما استنهض طاقاتهم لإيمانه أن لا أحد يمكنه أن يغير حالنا للأفضل إلا نحن، بالاعتماد على النفس، والغوص في بحور العلم، واستخراج درره، معيداً استنهاض همم الشباب نحو مرحلة جديدة خرجنا فيها من مجال الجاذبية الأرضية إلى جاذبية الإنجازات العلمية.
نعم، هو إنجاز الشباب المبدعين الذين غمرونا سعادة بنجاحهم، كما قال محمد بن زايد، ليكتبوا باسم الإمارات فصولاً جديدة في إنجازاتها وكونها أحد صناع المستقبل واستشراف تحدياته، مرسخين مكانتها العلمية بين الأمم، وهو ما يمكن رصده بسهولة من السيل الهائل من التقارير الإعلامية العالمية، وبكل لغات الأرض، عن الصعود المدوّي، ليس للمسبار فقط، بل لاسم الإمارات أيضاً.
أنجزنا مراحل من المهمة التي تمتد أربعة أعوام أرضية أو عامين مريخيين، ابتداء من اليوم، وبدأت مرحلة التحكم والاستكشاف وتحليل البيانات الواردة من المسبار التي ستكون متاحة لجميع الدول في منصة علمية وليست تجارية، ما يؤكد نهج هذا الوطن بتعميم الفائدة والخير لكل البشرية.
الذي انتهينا منه رغم صعوبته وتحدياته، ربما يكون الجزء الأسهل من المهمة، لذلك يدرك فريق العمل المخاطر المحتملة في الجزء التالي منها، والتحكم في مسار المسبار على طول 500 مليون كيلومتر حتى الوصول إلى مدار حول الكوكب الأحمر لدراسة غلافه الجوي من على بعد يتراوح بين 22 ألف كيلومتر و44 ألفاً.
رغم أن التحديات قائمة، وتبقى حاضرة في كل لحظة، إلا أننا في الطريق إلى هناك، وستلحق بنا هذا الشهر مهمتان جديدتان للصينيين والأمريكان، بعد رحلات سابقة للولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والهند. أي إن ست دول فقط هي أعضاء النادي المريخي بعد انضمام الإمارات لعضويته، بما يمثله ذلك من اكتساب الإمكانات والقدرات والمعرفة، حتى لو واجهت الرحلة أسوأ الاحتمالات.
علماء فضاء أمريكيون يؤكدون أن الإماراتيين الآن في مكان عظيم، حيث يمكنهم القيام بالمهمة مرة أخرى، فهم يمتلكون اليوم المعرفة التي تؤهلهم للقيام بذلك.
إنه الطموح المرصّع بالتميز، بدليل أن مسبار الأمل عندما يصل إلى المريخ، من المتوقع أن يقدم علماً جديداً، وأن يكشف عن رؤى جديدة حول الغلاف الجوي للكوكب؛ لذلك، والكلام لعلماء الفضاء الأمريكيين، فإن فريق المسبار الإماراتي، بالتعاون مع الشركاء، صمّم المهمة بحيث لا تكون تكراراً للأبحاث التي قام بها الآخرون قبلهم، بل لإضافة جديد إلى الوضع الحالي للمعرفة المريخية، وكيفية التآكل المستمر لغلافه الجوي، ومعرفة سبب افتقاد الكوكب معظم المياه التي كان يمتلكها في وقت مبكر من تاريخه.
هم أبناء زايد، أبناء الإمارات، فانتظروا وتوقعوا منهم المزيد، لأنهم على خطى قيادتهم سائرون، يحملون الأمل في قلوبهم، والعلوم في عقولهم. نقول لهم، نفخر بكم، ونقف احتراماً لإنجازاتكم، كنتم على قدر المسؤولية وثقة القيادة بكم. رفعتم رؤوسنا فخراً بلغة الفضاء.