بقلم : منى بوسمرة
تابعنا خلال الأيام الماضية اجتماعات حكومة دولة الإمارات، التي تواصلت أياماً عدة عن بعد برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لم يكن جدول أعمالها الشأن العادي وتسيير الأعمال، بل التحضير لمرحلة ما بعد فيروس «كوفيد 19»، وبناء استراتيجيات وطنية جديدة تؤسس لمرحلة نهوض جديدة، وتجاوز تداعيات الجائحة الفيروسية العالمية، التي غيرت المفاهيم وقلبت المعادلات في العالم، وكشفت الثغرات وأوجه القصور فيما هو قائم.
لذلك سارعت الإمارات، كما هو نهجها، قبل غيرها من الدول في الإعداد لما بعد الجائحة، واستباق المتغيرات بالإعداد لها لاستيعابها بسهولة، والتعامل بمنطق المبادرة وليس بمنطق ردة الفعل، لذلك أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أمس أن الاستراتيجية الجديدة تحتاج إلى مراجعة هيكل الحكومة وحجمها وإجراء تغييرات؛ لتكون أكثر مرونة وسرعة ورشاقة لتواكب أولويات وطنية جديدة ومختلفة بعد الجائحة.
قبل أسبوعين قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إن ما نحتاج إليه اليوم، هو إعادة توجيه الموارد البشرية والمالية، ونفهم من ذلك أن الإمارات مقبلة على تطوير جوهري للبنية التحتية الصحية، وإعادة ترتيب الأولويات التنموية والاقتصادية للاستعداد لشكل الاقتصاد العالمي ما بعد فيروس «كورونا»، إضافة إلى استحداث قدرات اقتصادية، مثل تعزيز الاستثمار في الزراعة والعلوم بكل تخصصاتها خاصة الصحية.
العالم الآن في مرحلة استيعاب الصدمة، ولكن نرصد أن الإمارات تخطط لما بعد الصدمة وتتكيف سريعاً، ولعل التمكين التكنولوجي، سيكون إحدى الأدوات المهمة، بعد أن أنقذت الأعمال من الانهيار والدراسة عن التوقف، لذلك يبدو واضحاً أن جوهر أداء الأعمال والدراسة هما الأكثر تأهيلاً للتغير السريع، بعد أن أثبتت التجربة في الأزمة الصحية قدرة التكنولوجيا على فرض حضورها لكل فرد ومؤسسة، وهنا يبرز دور الجامعات والمعاهد لأخذ زمام المبادرة.
كما نفهم أيضاً أن الموارد المالية ستتجه أكثر إلى الصناعات الدوائية والغذائية الوطنية، بمعنى أن الاستثمار في هذه القطاعات مقبل على تغييرات جوهرية، من المرجح أن تكون إقليمية، بعد أن ظهرت أهميتها، وهو أمر ناقشته الدول الخليجية ووضعت النظام لشبكة أمن غذائي ودوائي خليجية تكون قادرة على تلبية الطلب المحلي والقدرة على التصدير في أوقات الأزمات مهما كان نوعها، مع ظهور أهمية التعاون الإقليمي في مثل هذه الأزمات.
الأهم من كل ما سبق هو توحيد كثير من التشريعات والقوانين والأنظمة والإجراءات بين ما هو محلي واتحادي، خاصة في القطاعات الصحية والدوائية والغذائية والزراعية وتوحيد الرسوم والرقابة الجمركية، والاعتماد على رأس المال الوطني والكوادر الوطنية في قيادة هذه القطاعات، من دون المساس بالاستثمار الأجنبي، بل زيادة جاذبية الإمارات لهذا الاستثمار وتنافسيتها العالمية فيه.
الفرص تأتي مع الأحداث المفصلية في العالم، وتأتي من التحديات، التي تظهر معها قدرات قيادات الدول على مواجهتها والتعامل معها، وفي الإمارات لدينا قيادة مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد برؤية، مثال، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بعزم محال، تاجان على الرأس يصنعان الفرق والأمل، وما جلسات الحكومة إلا التجسيد الحي على تلك الرؤية والعزم، وإذا اجتمعا فانتظروا نهوضاً أقوى وأسرع من أي بلد في العالم.