بقلم : منى بوسمرة
خطوة جديدة لدولة الإمارات في المجال العلمي والبحثي والتقني، بإطلاق مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية، ضمن جهودها في رعاية الإنسان وتقدم البشرية بدعم الجهود الصحية العالمية الوقائية والعلاجية، بعد أن كشفت جائحة فيروس «كورونا» الحاجة إلى مثل هذا المركز، الذي جاء ضمن خطوات الاستجابة الضرورية لرسم خريطة صحية شاملة في الإمارات.
فالإمارات اليوم، تستكمل المنظومة الصحية المحلية بالمركز الجديد، وفي نفس الوقت تساهم مع العالم وتتشارك معه الأبحاث ونتائجها لأنها تؤمن أن التقدم في هذا المجال هو فعل إنساني خالص وتراكم معرفي للبشرية منذ الأزل وحتى الأزل.
نحن اليوم، على بعد أيام فقط من إنجاز تشغيل محطة براكة النووية لإنتاج الطاقة، ومن إطلاق مسبار الأمل إلى المريخ، وهي قفزات جبارة في المستقبل، وجاء المركز العلمي للأبحاث الطبية ليوسع دائرة الإنجازات، ويبدأ تأهيل وإعداد جيل جديد من علماء الوطن في مجال جديد بعد أن أثبتوا نجاحات لافتة في كل مجال اختبروه، مستحضرين مجد أسلافهم في العلوم، ومؤكدين قدرتهم على الفعل الإيجابي.
وقد أعاد محمد بن راشد وهو يتعرف إلى قدرات المركز وأهدافه، التذكير بمحطات مهمة في تاريخ الأبحاث الطبية في المنطقة، والذي كان نهجاً للعلماء والباحثين لقرون عديدة في منطقتنا. لكنه لم يتوقف عند هذا فقط، بل بعث برسالة استنهاض لجيل شباب الوطن لينخرطوا في هذا المجال باعتباره ضمانة رئيسية لمستقبل أكثر استقراراً وصحة، لأن الأبحاث الطبية جزء أساسي من منظومة وقاية المجتمعات والأمن الصحي للبشرية وضمانة لاستدامة التنمية.
فقد عانى العالم كله، من التقصير في الأبحاث العلمية الخاصة باللقاحات والعلاجات من الفيروسات والأمراض التي تظهر فجأة، من دون استعداد لها، فتضرب وتشل كل مظاهر الحياة، فمثل هذه المراكز يمثل حماية استباقية لا تقل أهمية عن تأسيس الجيوش التي تحمي السلام والمكتسبات، فمنظومة القوة متعددة الأوجه وليست بالمعنى الضيق لها، فهي ليست بالأسلحة فقط، بل يسبقها قوة العلم والاقتصاد وتماسك المجتمع والأمن وقوة القانون، وكلها تحتاج إلى قوة الرعاية الصحية التي من دونها تضعف كل القوى.
لذلك، فالمركز الجديد مع مراكز أخرى مثل مركز الأبحاث الجينية في أبو ظبي ومراكز الجامعات، تشكل قوة إضافية للقوة الناعمة للإمارات، تمنحها دوراً أكثر فاعلية وإيجابية في العالم، خاصة أن الإمارات ليست دولة عصرية فقط، بل دولة متقدمة علمياً، فهي اليوم أحد مراكز قليلة في العالم للثورة الصناعية الرابعة، حيث تقود أبحاثاً في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الحديثة، ومن الطبيعي أن يأتي المركز الجديد ليشكل مع غيره شبكة متماسكة تنهض بالوطن إلى مزيد من التقدم والرقي، وترتبط هذه الشبكة مع غيرها من المراكز العالمية لتدعم جهود العالم في الارتقاء بنظام صحي شامل للبشرية.
ليس هذا فقط، بل أن مركز وثقل الإمارات الدولي اقتصادياً وسياسياً وعلمياً، يضع عليها مسؤوليات إضافية تدركها، بتقديم العون والمساندة للمجتمعات الأقل حظاً أو التي تتعرض لأزمات وكوارث، وهي مسؤولية تتصدى لها بكل عطاء انطلاقاً من نهج ثابت تأسست عليه، وما عمليات الدعم الطبي المتواصلة التي تقدمها لدول العالم شرقه وغربه لمواجهة جائحة «كورونا» إلا المثال الأحدث على سياسة العطاء التي تضيء شعلة أمل دائمة للإنسانية.