بقلم : منى بوسمرة
في لفتة ذات بعد وطني، كان الشيخ محمد بن زايد في استقبال رائدي الفضاء الإماراتيين هزاع المنصوري وسلطان النيادي، لدى عودتهما إلى أرض الوطن، بعد أن أنجزا المهمة الفضائية الأولى، فاتحين الباب لمهمات قادمة.
المعاني التي حملها الاستقبال ليست احتفالية واحتفائية في المقام الأول، بل هي رسالة ذات دلالات وطنية من شقين، الأول: أن ما أنجزته الإمارات في مشروعها الفضائي هو الخطوة الأولى، وأن مرحلة أكبر وأوسع بدأت بعد رحلة المنصوري، وأن الدولة ماضية في مشروعها الفضائي وعلى الاستثمار في الشباب، وهو ما أكده الشيخ محمد بن زايد في حديثه لرائدي الفضاء، وسبق للشيخ محمد بن راشد أن أكده أيضاً حين تحدّث عن طوابير مقبلة من رواد الفضاء الإماراتيين بعد هذه المهمة.
أما الشق الثاني، فهو تأكيد دور الشباب، وأنهم صنّاع الفرق وصنّاع الغد، وأن المراهنة عليهم في تحقيق الطموحات هي الرهان الرابح لتحقيق الريادة دائماً، وأن من يصنع نجاح الوطن هم أبناؤه، فلا أحد غيرهم سيكتب اسم الإمارات في سجلات الريادة والمجد. وقد أثبت شباب الإمارات أنهم كانوا عند حسن ظن شعبهم وقيادتهم بهم، فكانوا السواعد التي تحمي الإنجازات، والعقول التي تبني المستقبل.
المهم في الشقين الأول والثاني أنهما لا يتحققان من غير توفير البيئة اللازمة، فكثير هي الدول التي تمتلك ثروات وموارد مالية وبشرية أكثر بكثير من الإمارات، لكنها أساءت استثمار تلك الموارد فأهدرتها في الفساد والحروب، فعطّلت الطاقات ووجّهتها في مسارات عكسية، لكن الذي نجحت فيه الإمارات أنها عرفت منذ البداية كيف توجه وتستثمر تلك الطاقات والموارد فيما هو خير لشعبها وللبشرية.
وهذا لم يأتِ مصادفة، بل جاء بالعزم والصدق والإخلاص في خدمة الوطن، والتخطيط لذلك، والوقوف على التنفيذ الذي يحقق الغايات، وتحدي الصعاب حتى تنهار أمام الإرادة التي تبني للخير والعطاء.
اليوم لا نفخر بهزاع المنصوري وسلطان النيادي وفريق الفضاء الإماراتي والجهد العظيم الذي كان وراء هذه المهمة، فقط، بل نفخر بالقيادة التي جعلت ما كان يبدو مستحيلاً قبل سنوات معدودة، ليس قابلاً للتنفيذ فقط، بل تم تنفيذه بالفعل وبنجاح، وتخطط لما هو أكبر وأهم.
هذا الإنجاز بقدر ما هو علامة توهّج حالية، فهو أيضاً مؤشر إلهام للأجيال إلى الإمساك بزمام المبادرة من أجل فعل أكبر، وتحديد ملامح المستقبل، حتى يكون للإمارات بصمة واضحة في المعارف والعلوم خدمة البشرية.
الروح عالية، والهمة كبيرة، والإرادة قوية، والطريق نحو العلا لا تنتهي، وبناء المجد لا يتوقف، وشباب الإمارات على قدر المهمة في أي مكان أو زمان، فهم الذين جعلوا الفضاء أقرب إلينا، وحافظوا على الصورة التي رسموها لبلدهم أمام العالم كبيرةً وجميلةً بحجم طموح الوطن وجماله.