بقلم : منى بوسمرة
يعتقد البعض أن هناك مبالغاتٍ في عرض ملامح ومؤشرات التعافي في الاقتصاد الوطني من تداعيات جائحة فيروس «كورونا»، لكن واقع الأحداث والبيانات والتقييمات الدولية يشير إلى تسجيل نجاحات مهمة في العودة إلى مسارات النمو عبر التأقلم مع الوقائع العالمية الجديدة، بل إيجاد واقع مختلف يتجاوز تداعيات الجائحة إلى ما هو أبعد وأوقى، من دون التغاضي عن التأثيرات التي طالت كل القطاعات في كل العالم الذي نحن جزء منه.
بالأمس، كنا شهوداً على مولد عملاق اقتصادي جديد في الإمارات، عبر توجيه محمد بن راشد بضم «مراس» تحت مظلة مجموعة «دبي القابضة»، لتكوين محفظة أعمال بالغة التنوع والمرتبطة بصناعة المستقبل، والتي تلقاها مجتمع الأعمال بترحيب كبير، باعتبارها تعزز مستويات النمو وتؤكد سرعة التحرك لإزالة آثار الجائحة عن كافة القطاعات عبر رؤية موحدة تهدف للبناء على المكتسبات والوصول بدبي إلى مستويات أفضل ضمن مختلف مؤشرات التنافسية الاقتصادية العالمية، ما يعني - على ضخامة الكيان الجديد - أن دبي تضع استراتيجية جديدة ونقطة انطلاق للمرحلة القادمة.
ملامح التعافي الإماراتي ترسمها مؤسسات اقتصادية قوية، وإلا ما الذي يجعل بنكاً مثل بنك أوف أمريكا يشتري 100 مليون سهم في بنك الإمارات دبي الوطني بقيمة 900 مليون درهم، لولا قناعة هذا الاستثمار بجدواه والاستفادة من النتائج المالية القوية التي يحققها البنك الإماراتي، في اقتصاد أقوى.
ليس هذا فقط، فقد أعلن جهاز أبوظبي للاستثمار أمس عن ثاني استثمار لأبوظبي في «جيو بلاتفورمز» التي تعد منصة للجيل القادم من التكنولوجيا، ليرتفع إجمالي استثمارات أبوظبي في المنصة إلى 7.2 مليارات درهم خلال يومين، والمهم في الصفقة أنها تأتي ضمن التوجه الاستباقي للصناديق السيادية في الإمارات نحو الاستثمار في التكنولوجيا والرعاية الصحية بدفع من دروس وعبر جائحة «كورونا».
كما حظيت الإمارات بتصنيف قوي لجدارتها الائتمانية من وكالة «موديز» التي عددت نحو عشر مزايا استثمارية يتمتع بها اقتصاد الإمارات، والأهم في التقرير أنه استبعد تأثر الاقتصاد بانخفاض أسعار النفط مع تراجع الطلب عليه بفعل الجائحة الصحية العالمية، بسبب تلك المزايا.
المؤشر الآخر هو مؤشر مديري المشتريات الذي يرصد الاقتصاد غير النفطي في دبي الذي عكس اتجاهه نحو الصعود بعد ثلاثة أشهر من التراجع، في أحدث علامة على بدء تعافي الاقتصاد مع عودة الأعمال بطاقتها الكاملة، خاصة إذا علمنا أن أسعار الفائدة على التعاملات بالدرهم بين البنوك شهدت تراجعاً مهماً خلال الأيام الماضية مما سينعكس بآثاره الإيجابية على أسعار الفائدة على الإقراض والتمويلات على اختلاف أنواعها، وهو ما يسهم بدوره في خفض تكلفة أنشطة الأعمال في تحفيز إضافي لكافة القطاعات.
صحيح أن هناك قطاعاتٍ مثل الطيران والسياحة، لا تزال تعاني بفعل الإغلاقات العالمية، لكن هذه القطاعات على المستوى المحلي تجتهد وتبتكر أساليب عمل جديدة للتأقلم مع الحقائق الجديدة، بروح إيجابية تسري اليوم في جميع مفاصل القطاعات في الإمارات، وتواجه التحديات، مستندة إلى اقتصاد عملاق يمنحها الثقة والأمل والتفاؤل بأن القادم أفضل.