بقلم : منى بوسمرة
هل تؤسس الثروة، دولة؟ أو يصنع المال، حضارة؟ الجواب قطعي بالنفي، لأن الشرط الأول للبناء هو الإنسان، الذي يعرف كيف يدير الثروات والمال، أو كيف يوفرها إذا انعدمت، ليؤسس مستقبله ويبني وطنه. والمسألة ذات شقين مترابطين الأول قيادي والثاني تأهيلي، فتصورات القيادة ورؤيتها لدور الفرد والجماعة هي التي تصنع الفرق في تصميم التأهيل الشامل واللازم للأجيال من أجل بناء النهضة حتى يتمكن الفرد وبالتالي الجماعة من صناعة تقدم دولهم بأيديهم.
كانت هذه الرؤية حاضرة في الإمارات، منذ البداية لدى القادة المؤسسين، فسخّرت المال ووفرت البيئة الملائمة لتأهيل الأجيال، سواء القانونية أو المؤسسية، ومنحتهم الثقة واستنهضت عزائمهم، حتى صهرت الجميع في الحلم الوطني وجعلت الجميع شركاء في بناء الوطن وتقدمه. وأهم ما ميّز تلك الرؤية هو تعاملها مع الرجل والمرأة على قدم المساواة، استناداً لشريعة السماء أولاً، ثم لإيمانها بقدرة الاثنين على العطاء المتساوي، وحاجة الوطن لسواعد كل أبناء الوطن.
لذلك تبلورت مبكراً استراتيجية الإمارات التي يحرص خليفة على استدامتها، ويرعاها محمد بن راشد ومحمد بن زايد، حتى تجاوزت المرأة التمكين إلى الشريك في الإنتاج والعمل والنهضة، وأثبتت المرأة أهليتها لكل المهمات، ونجحت في تعزيز حضورها في كافة المواقع بشكل لافت، مجسدة روح الوطن أينما وجدت، بالعطاء والإبداع والابتكار بنفس قدرة الرجل.
لن نتفاخر بالمناصب القيادية التي احتلتها المرأة في الإمارات، فذلك أصبح أمراً عادياً، لكن يحق لنا أن نتفاخر بأن الفرص متساوية لكل امرأة في الإمارات، ليس بين النساء فقط، بل في عموم المجتمع، حتى تجاوزت نسبة إغلاق الفجوة بين الجنسين في الإمارات 65% وهي من أعلى النسب العالمية، ما يؤكد صوابية الرؤية ونجاح المهمة واستمرارية تقدمها.
لا ننكر أنه ما زالت هناك تحديات، لكن التحدي الأهم الذي نجحت فيه الإمارات، هو محوالنظرة المجتمعية السلبية لعمل المرأة، حتى انعكست الصورة، فصار عمل المرأة مطلباً للرجل، قبل أن يكون مطلباً وطنياً، وهذا تحوّل مهم في التفكير والنظرة، يزيد من قيمة المرأة ومكانتها ودورها سواء في الأسرة أو المجتمع.
والذي أحدث ذلك هو التشريعات والمؤسسات والمبادرات التي التفتت لها الإمارات مبكراً وبدعم مباشر من القيادة، منذ لحظة صياغة دستور الاتحاد، ما سمح بتفكيك النظرة الاجتماعية السلبية لانخراط المرأة في دورة الإنتاج، ولولا تلك التشريعات والمبادرات لما رأينا هذا الحضور البهي للمرأة في كل ميادين العمل تشارك أخاها الرجل على قدم وساق في صناعة مجد الوطن. وبنظرة إلى واقع الميادين، نكتشف بسهولة مدى صعود المرأة ونيلها الكثير من حقوقها، سواء بالتعليم أو فرص العمل، أو الرعاية الصحية أو المشاركة السياسية وفي تحديد مستقبلها والتحكم بمالها، دون أن يصادر منها أحد شيئاً.
هنيئاً للمرأة في يومها الوطني الذي يصادف غداً من كل عام، ونقول لها، إلى الإمام بلا تردد، فهذا وطن الفرص والحقوق والمساواة الذي أسسته عدالة زايد مع شعبه، وليكن يوم المرأة مناسبة لنترحم عليه، ونقف إجلالاً لشريكته الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) صانعة التغيير للمرأة، وتجديد الولاء للقيادة عبر مزيد من الفعل والمشاركة من أجل رفعة وطن ملأ الدنيا خيراً بفضل عطاء رجاله ونسائه.