بقلم : منى بوسمرة
التصقت بالشعوب العربية طوال العقود الماضية صفة رددها كثيرون بأنها شعوب لا تقرأ، ولا علاقة بينها وبين الكتاب، وهو أمر صحيح أكده تقرير المعرفة العربي أكثر من مرة، لكن المشهد يتغير اليوم، وإن كان يحتاج إلى وقت لتحقيق الأهداف، المهم أن مبادرة التغيير الإيجابي التي تستهدف تشكيل شخصية متعلمة تتسلح بالمعرفة، تعمل بفاعلية تفوق المتوقع، ما يؤكد أن التحفيز وتهيئة البيئة والرعاية المخلصة قادرة على صناعة الفارق.
بكل تواضع وثقة، نستطيع أن نقول إن تحريك المياه الراكدة يحتاج إلى من يستطيع أن يلقي الحجر الكبير فيها، وهو فعل أتقنته الإمارات في أكثر من مجال، فأحدثت التأثير الإيجابي في مجتمعها ومحيطها، حتى أصبحت نموذجاً للتغير الإيجابي الذي يستهدف تحسين حياة الإنسان.
وهل أفضل من تحسين الحياة، غير الكتاب، بمعانيه المعرفية والعلمية التي تخدم البشر أفراداً وجماعات؟ من هنا جاءت مبادرة الشيخ محمد بن راشد في تحدي القراءة العربي، وكان المستهدف طلبة المدارس وقادة الغد، ليكونوا الأداة ووسيلة التغيير الإيجابي بوعي ومسؤولية.
لقد تحولت المبادرة في عامها الرابع إلى أولمبياد عالمي للعقول يشارك فيها اليوم أكثر من 13 مليون طالب من الوطن العربي وخارجه تأكيداً لهدفها الإنساني، في حالة حراك ثقافي ومعرفي نادرة تستهدف النشء وتبشر ببناء أجيال تخدم أوطانها وتعرف كيف تواجه التحديات، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية من داخل أوطانها.
في إعلانه عن احتفاء دبي بالمشاركين، وصفهم الشيخ محمد بن راشد بأنهم اليوم رواد معرفة وفكر، ما يعني أنهم قادة معرفة وفكر وتأثير في الغد، لذلك قال: «نحن أقوياء بشباب عربي قارئ يؤمن بقوة الحرف والكتاب»، وهي رؤية تنسجم مع التاريخ والمنطق، فالأمم المتعلمة والمتحضرة والقوية وصلت لذلك من خلال بناء علاقة قوية مع الكتاب، وكان العرب كذلك حين كانت علاقاتهم بالكتاب قوية ومتينة، وعلاقة حب وصداقة وشوق للتعلم والمعرفة، وما الإقبال على المشاركة في المبادرة إلا الدليل القوي على صواب المبادرة وحسن إدارتها.
القراءة هي البوابة التي يدخل منها الفرد إلى حقول المعارف، ويطلع على تجارب الآخرين، فيبني أو يشارك في الحضارة، وهي فهم للآخر، وبالتالي معرفته والتعايش معه، ونشر لثقافة التسامح التي تعني في النهاية التفرغ والمشاركة في صناعة الأمل، هي توهج العقل الذي ينتج فكراً للإنسانية يرتقي بالمجتمعات.
المبادرة الفردية نحو القراءة شيء رائع ومحمود، لكن الهدف أن تكون تلك حالة عامة وعادة مجتمعية، ولا يكفي ترديد ما قاله أبو الطيّب المتنبي في تمجيد الكتاب، لكننا بحاجة إلى مثل تلك المبادرات التي تخلق حراكاً معرفياً مجتمعياً عاماً وتؤصل هذا منهجاً في تفكير الأبناء، لإعداد أجيال مثقفة قادرة على الإبداع والابتكار حتى نلحق بالأمم ونستأنف الحضارة كما كنا.
شكراً محمد بن راشد، لقد جعلت الكتاب خير جليس لـ13 مليون طالب، ربحوا العلم والمعرفة، لتربح أوطانهم التنمية والنهضة.